شفرات المخازن الصغيرة

ثقافة 2019/03/03
...

ياسين النصير
 


في نهاية المفتتح لالف ليلة وليلة، عندما يغادر شهريار وشاه زمان ديارهما بعد اكتشافهما للخيانة الزوجية، "قم بنا نسافر إلى حال سبيلنا،وليس لنا حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لاحد مثلنا أو لا" يجلسان على شاطء البحر تحت شجرة، وفي لحظات يخرج من البحر مارد وبيده صندوق وفي داخله علبة ، يفتح العلبة، ويخرج منه فتاة جميلة مقيدة، وبحيلة منها يفتح المارد قيدها، بينما هو ينام بجوار الصندوق، لحظات وتلمح الشخصين على الشجرة فتأمرهما بالنزول ليمارسا الجنس معها، وتحكي الفتاة انها تملك 572 محبسا هو عدد الذين مارسوا الجنس معها بالرغم من تقييدها في صندون مرمى في البحر ويحرسه جني مارد. هذه الحكاية لا قيمة لها دون معنى ان يكون للصندوق ثيمة الخزن وحفظ الأسرار، الإختباء كما يقول عبد الفتاح كليطو. وتبدأ رحلة الأخوين لاكتشاف العالم الجنسي عبر الف ليلة وليلة. غالبا ما يرتبط الصندوق بكبار السن هم الأكثر احساساً بدورها بمدخراتهم، واحتياجاتهم وارثهم القديم، وفي بنية الصناديق ثمة أنثوية واضحة ترتبط بالحفظ المؤقت الذي يجهز ما فيه إلى مهمة معينة، وفي الليالي يرتبط فتح اقفال الصندوق بالأنثى، فالمدخرات انثوية الدلالة بانها تقي صاخبها من العوز. وغالبًا ما يكون ارتباطه المكاني في الزوايا البعيدة عن متناول الآخرين، والزوايا هي الأخرى اضافة مكانية للخزن، خاصةعندما تكون بعيدة عن الضوء ويد العابثين، ومرة ثانية نجد حضور رمزية الأنثى فيها. وقد يغلق الصندوق بقفل ويودع المفتاح في مكان خاص، فإرتباط قفل الصناديق بشفرة البكارة، فقد يكون الرجل صندوقا للمحافظة على اسرار الأسرة، او اسرار عمله، ويقال الرجال صناديق عندما تكون الثقة بهم دليلا على الحرص والأمان. وقد يكون الصندوق رمزا للثقة والعرف حيث يصبح المال بمقابل وثوقية الكلمة . وفي اليونان كانت الكلمة الوثوقية جزءا من هوية المدينة. في الثقافة الفرعونية اصبح للكلمة إلاها. أما في المثيولوجيا الرافدينية فالكلمة أصبحت عنصرا بنائيا للإنسان. وتكاد معظم قصص محمد خضير فيها ثيمة الصندوق  الذي يحفظ جزءا من وثائق الأمكنة المختفية. وكل ما يرتبط به له شحناته الوظيفية التي تعين طبيعة الشفرة المشتركة بين تنوعاته واشكاله ووظائفه. ويقال عن الشخص المحاسب أمين الصندوق، وعن القلب المحب صندوقا يحفظ الأسرار، الشفرة المكانية هي خلاصة لوظيفة متنوعة تؤديها هذه الأشكال، على المستوى الفضائي نجد الصناديق ظاهر التكوين، وليست مكانا للدفن. فما يخزن عبر الدفن يختلف عما يخزن في صندوق، في الدفن يكون من ملكية مؤجلة، بينما في الصناديق يكون ملكية حسب الحاجة، اي تكون تحت يد الاستعمال اليومي، تزين الصناديق بزخرفات معينة، كاشكال نباتية تعبر عن رمزية الملائكة الحارسة، وغالبًا ما تكون من البسامير على هيأة نجوم تصطف بطريقة فنية تزين سماء الصندوق، أما داخل الصندوق فثمة توزيعات مكانية تبعًا لنوعية المخزون فيها، أحياز صغيرة للحاجات الثمينة،واخرى أكبر للحاجات الأكثر تداولا،وترتبط خفايا الصندوق برب الأسرة، غالبا ما تحفظ الزوجة اشياء زوجها الثمينة فيه. ويشكل قاع الصندوق عالم الاستقار، عندما تجوس اليد في ظلامه تعثر علىأشيائها بسهولة،فخارجة القاع معلمة بالأنامل. تشبه شفرة الصندوق شفرة الرحم الولود، اي يرتبط وظيفياً بحركة التوليد وديمومة الحضور، ويتشعب الصندوق إلى أسماء وأشكال تبعًا للحاجات المتميزة، فهو لا يحتوي أشياء بدون أن تكون الأشياء محفوظة في صرار صغيرة أوصناديق أصغر، بمعنى أن ثيمة الخزن تتطلب أحجامًا. النص احد صناديق المعرفة، وكلما دققنا في تفاصيلة أمكننا معرفة ما نخزن فيه.