عفاف مطر
الأيام، ليلة القبض على فاطمة، الشهد والدموع، المال والبنون، المصراوية، ليالي الحلمية، بوابة الحلواني، والعشرات من الأعمال الدرامية كتب لها سيد حجاب كلمات تتر المقدمة، وفي أحايين كثيرة تفوق التتر على المسلسلات نفسها، لهذا يعدُّ سيد حجاب ظاهرة أو حالة من الصعب أنْ تتكرر. سيد حجاب كتب في جميع بحور الشعر لهذا وصل تأثيره ليس فقط لكتّاب الأغنية الدرامية بل حتى لكتّاب القصيدة، استعمل بلاغة خاصة، وهي بلاغة بنت الحارة المصريَّة والهم الشعبي المصري؛ لذا جاءت كلماته قريبة من المتلقي المصري والعربي على حدٍ سواء.
في الستينيات تعرف سيد حجاب على الشاعر الكبير صلاح جاهين، فقدمه صلاح الأخير لقراء (صباح الخير) ضمن عموده المعنون (شاعر جديد يعجبني) كتب فيه جاهين: «سيد حجاب، تذكروا هذا الاسم جيداً، فإنه سيعيش طويلاً في حياتنا المقبلة، وسيكون له شأن عظيم», أما علاقته مع الأغنية فكانت بعد صدور ديوانه الأول (صياد وجنيّة) الذي نجح الى درجة أنَّ النقاد لقبوه بلوركا العرب، وشاعر المثقفين، وعلى الرغم من هذا النجاح إلا أنَّ سيد حجاب لم يكن سعيداً، ذلك أنَّ ديوانه لم يصل قلوب وعقول البسطاء كالصيادين والفلاحين فجاءت دواوينه اللاحقة مثلما تمنى يفهمها ويغنيها البسيط الأمي والمثقف أيضاً.
بدأ مشواره مع الموسيقار عمار الشريعي، وكان كلاهما متعطشاً للأغنية، فكتب حجاب ولحَّنَ له الشريعي من دون أنْ يطلب أحدٌ منهما، واستغرقت بعض هذه الأغاني ثلاثين عاماً لتظهر، مثل أغنية (هنا القاهرة) التي غناها علي الحجار في ثمانينيات القرن الفائت، كُتبت قبل ظهورها بأكثر من خمس وعشرين سنة. تعدُّ مقدمتا مسلسل (الأيام- سيرة طه حسين) لأحمد زكي، ومسلسل (بابا عبده) لعبد المنعم مدبولي، حركة جديدة وموجة مختلفة للأغنية الدراميَّة، وهو ما كان يطمح إليه سيد حجاب وعمار الشريعي. سيد حجاب في مقدمة مسلسل (الأيام) اعتمد على الصفحات التي تعرض الصراع النفسي لطه حسين فيختزل عشر صفحات من هذا الصراع بثلاثين ثانية فقط، ومن هنا جاءت قوة كلمات سيد حجاب، وهذا التكنيك اعتمده في كل أعماله اللاحقة، وقد أبدع في تأليف تترات المسلسلات حتى أطلق عليه مبتكر التتر، والتتر هو سيد حجاب، ذلك أنَّ التتر قبل سيد حجاب كان عملاً زخرفياً للعمل الدرامي يظهر فيه صوت المطرب، لكنْ بعد سيد حجاب صار التتر متضافراً مع الدراما التي يعرضها المسلسل، فكمية الدراما في كلمات حجاب تنسجم وتتشابك وتعبر بصدق وببساطة ووضوح مع دراما المسلسل وصوت المطرب فيه اختفى وظهر بدلاً منه أصوات أبطال المسلسل.
وبلغ نضج سيد حجاب الى درجة أنَّ تتر مسلسل (المال والبنون) ما هو إلا موجزٌ للصراع الدرامي بين الأخلاق والمال من جهة وبين الإنسان وولده من جهة أخرى وكأنَّ التتر ما هو إلا رسالة مختصرة للمسلسل. سيد حجاب وهو أمر لا يعرفه كثر، صاحب تجربة رائعة في مجال أغنية الطفل، فقط كتب عدة أغانٍ لحنها عمار الشريعي وغنتها عفاف راضي، وصل نجاح هذه التجربة أنْ وصفت أغنياته بأنها أعظم مشروع غنائي للأطفال في القرن العشرين. كما أسهم سيد حجاب في مجال الأوبرا، إذ كتب كلمات أوبرا (دنيا البيانوله) غناء عفاف راضي ومحرم فؤاد وإخراج كرم مطاوع، كما كتب كلمات أوبرا (ميرامار) المستوحاة من رواية بالاسم ذاته لنجيب محفوظ وغيرها.
يصف سيد حجاب نفسه ويقول: «أنا شاعر على باب الله والوطن والإنسانيَّة، الله بالنسبة لي هو الحق، والوطن هو الخير الذي يجب أنْ يتقاسمه الجميع بعدل، والإنسانية هي الجمال».
بيني وبينكم الفراغ الذي تركه سيد حجاب من الصعب جداً أنْ يملأه شخصُ من بعده، فحتى صوت علي الحجار الذي كان يصدح بأغاني سيد حجاب ذبل وبهت بعد وفاة حجاب. رحم الله المبدع سيد حجاب.