سؤال فلسفي

الصفحة الاخيرة 2021/10/14
...

حسن العاني
 
ربما كان رجال الدين المسلمون الأوائل على حق، عندما تحفظوا من الفلسفة ونظروا اليها نظرة حذرة، أقرب ما تكون الى النبذ والرفض، لأنها في قناعتهم تقوم على طرح أسئلة كونية ووجودية تبحث فيما تبحث عن اصل الخليقة والانسان والمعتقدات، ولابد ان موضوعة الأديان واحدة من اهم اسئلتها التي قد تقود اما الى ترسيخ الايمان او زعزعته، او الى أي شيء من الشك والقلق الفكري، ولهذا ظلت الفلسفة الإسلامية محدودة الأفق والاهتمام مقارنة بغيرها من العلوم، وبغيرها من الفلسفات الأخرى كاليونانية مثلاً، ويلاحظ بأن ظهورها قد تأخر الى العصر العباسي، ليس لان رجالاته وعلماءه اكفأ من سابقيهم، بل لكون هذا العصر قد شهد قدراً كبيراً من الانتعاش الحضاري، في مقدمته ازدهار الترجمة التي قدمت (الفلسفات الأخرى) الى المجتمع العربي الإسلامي على وجه الخصوص، وبات التعامل مع الفلسفة امراً متاحاً بعد خروجها من دائرة الممنوعات، وكانت النتيجة وقوف الفلسفة الإسلامية على قدميها باقتدار، اذ تمكن رجالات الإمبراطورية العربية الإسلامية أن يقفوا مع نظرائهم من فلاسفة العالم وقفة متكافئة ومشهوداً لها.
المعنيون بهذه القضية يقولون : إن الفيلسوف ليس من يطرح نظريات او يقدم إجابات على أسئلة كونية كبيرة، بل هو قبل ذلك من يطرح أسئلة تستحق الالتفات وتحفز الذهن وتثير رغبات المعرفة، ويبدو ان ولدي الذي ما زال طالباً في الجامعة قد استهوته الفلسفة حتى شغلته عن كل شيء، بما في ذلك انشغالات المراهقة، ومن هنا قال لي ذات مرة ليست بعيدة، وبشيء من الغرور المبطن، إنه في طريقه ليصبح فيلسوفاً يشار اليه بالبنان، وراح يهذي بمعلومات عامة عن الأصل اللغوي لمفردة الفلسفة، وانها يونانية وتعني (حب الحكمة) ..الخ 
على أن قمة غروره تمثلت بقناعته الغريبة في كونه يطرح أسئلة كثيرة، والاسئلة هي التي تجعل من الانسان فيلسوفاً عظيماً، وكان مطمئناً من مستقبله الفلسفي، ولذلك قال لي في واحد من اسئلته [ بابا .. ألا ترى أن الوضع الاقتصادي للبلد تعبان جداً، بينما الوضع الأمني والحمد لله في احسن احواله، فلماذا تصرف الدولة شهرياً مليارات الدنانير على حمايات المسؤولين، ولماذا لا تحول هذه المليارات لصالح الاقتصاد والمواطنين؟!]، انا اعرف ان ولدي غبي وابن كلب، ولكن لم أتصور الى هذا الحد!.