«محمد علي».. شارع الملوك والعوالم

منصة 2021/10/21
...

 عفاف مطر
 

 

مَنْ منا لا يعرف شارع محمد علي؟ أنا هنا لا أتحدث عن «شارع محمد علي» مسرحية شريهان وفريد شوقي الشهيرة، بل أتحدث عن الشارع نفسه، لماذا سميَّ باسم السلطان محمد علي الكبير؟ ذلك أن هذا الشارع كان طريقه اليومي، يذهب ويجيء فيه كل يوم، لهذا سمي باسمه، أما هو حقيقة كان يسمى بشارع الملوك قبل محمد علي. لهذا الشارع أمجاده وحكاياته الجميلة، فهو المكان الذي انطلقت منه أشهر فرقة موسيقية شعبية على الاطلاق، وهي فرقة «حسب الله» التي يعرفها القاصي والداني في مصر وخارج مصر. في العام 1811 لم تكن منطقة محمد علي القريبة من القلعة مأهولة بالسكان قبل هذا التاريخ، لكن بعد العام 1811 وحين استقرت السلطلة لمحمد علي باشا وسكن المنطقة بعد أن أنهى على بقايا عصر المماليك، بدأت الناس تتوافد عليها وسميت باسمه، لكن الخديوي اسماعيل في العام 1869 هو الذي أمر بتخطيط وانشاء شارع الملوك، الذي أصبح في ما بعد شارع محمد علي حسب ما جاء في كتاب» تقويم النيل» لمحمد سامي باشا، ويمتد هذا الشارع من العتبة الخضرا الى جامع السلطان حسن، وجاء اختطاط هذا الشارع والبدء في تنفيذه مع بداية بناء قصر عابدين وهو قصر السلطة، وكانت أهمية الشارع في أنه ممر الملوك والسلاطين أثناء استعراض مواكبهم الملكية والاحتفالات الرسمية، إذ لم يكن كما هو عليه الآن شارعاً مهملاً ومتسخاً، بل كان من أرقى شوارع القاهرة وأكثرها نظافة. وكان من أهمية الشارع السياسية والرمزية أنه لم يقتصر على الملوك والسلاطين، بل حتى الأحزاب والحركات السياسية، كانت تحرص على أن يكون لها مكان في هذا الشارع، فالشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين كان يحرص على أداء صلاة وخطبة الجمعة فيه، وحين قُتل خرجت جنازته منه. لم تكن جنازة حسن البنا فقط هي التي مرت من هذا الشارع، بل وجنازة سعد باشا زغلول أيضاً، وكذلك جنازة الملك فؤاد، وبالطبع فعل مثلهم الضباط الأحرار، إذ كان يمر منه محمد نجيب وجمال عبد الناصر ومن خلفهم عبد الحكيم عامر، ليستعرضوا قوة الضباط الأحرار العسكرية. في هذا الشارع أنشئت فيه في ما بعد (دار الكتب) أو (الكتب خانه)، فأعطت هذه المكتبة بعداً ثقافياً جديدا له، وبالطبع وفي ذلك الوقت بالقرب من أي مكتبة كان هناك بالضرورة مقهى ثقافي، فكان قهوة دار الكتب، كان يأتي اليه حافظ ابراهيم وتوفيق الحكيم وأحمد رامي وغيرهم. شارع محمد علي قريب جداً من «الازبكية» منطقة الملوك والأمراء، وهؤلاء الملوك والأمراء كانوا يحيطون أنفسهم بكل المتع والملذات ومنها الجواري والراقصات، ومن هنا بدأت ظاهرة (العوالم) في هذا الشارع، ففي كل ليلة لا بدّ من حفلة ومغنى ورقص، وتميزت العوالم تلك الفترة بحمل الشمعدانات التي يصل وزنها عشرة كيلوغرامات، تضعها الراقصة على رأسها، وتبدأ رقصتها وتنهيها، من دون أن تنطفئ شمعة واحدة، لذا اكتسبت راقصات شارع «محمد علي» لقب (أسطى) ومن جهة أخرى، الشارع قريب جداً من تياترو الخديوي، الذي أصبح في ما بعد (المسرح القومي)، كما أنه قريب من دار الأوبرا وشارع عماد الدين المليء بالتياتروهات والمسارح، لذا كان مركزاً فنيّاً مهماً. الفنانة الكبيرة أمينة رزق كانت تسكن شارع محمد علي هي وخالتها أمينة محمد الراقصة، وكانت أمينة رزق ستصبح راقصة كخالتها، لولا أنها تعرفت على يوسف بيك وهبي، فاختارها لدور في إحدى مسرحياته فخرجت من مجال الرقص الى مجال التمثيل. سكن الشارع أيضاً عظماء الفن مثل القصبجي والسنباطي. كان من يطمح أن ينجح في الغناء أو التمثيل عليه أن ينجح في شارع «محمد علي»، فإذا نجح في هذا الشارع ينتقل بعدها الى شارع عماد الدين أو السينما. إذ كان الشارع بمنزلة مصنع للفنانين الجدد، تأتيه المواهب من كل أنحاء جمهوية مصر. المشهد الذي يغني فيه عبد الحليم حافظ (قولوله) بين النابلسي وزينات صدقي كان في شارع محمد علي وكان اسم الفيلم (شارع الحب). أما الآن فقد انتهت كل المظاهر الثقافية والفنية وهدمت المقاهي، وصار شارعاً لورشات النجارة والموبيليا. أما قصة فرقة «حسب الله» فهي بيني وبينكم قصة طويلة وذات شجون، وستكون موضوعة مقالتي المقبلة.