القصيدة الشعبية تفقد سمير صبيح

ثقافة شعبية 2021/10/23
...

  عادل العرداوي 
 
واليوم مع شديد الاسى والحزن واللوعة طاح (الجبل) العالي، بل قل ان القدر المفاجئ اطاح بفارس المفردة الشجية العذبة الترفة، المميزة وغير المسحوقة، فقد تسبب حادث سير اعمى بانهيار جبل الشعر سمير صبيح. 
سمير صبيح ضاحي القريشي، مواليد مدينة الثورة، الصدر عام 1970، وعاش طفولته المعذبة فيها، وعانى من مذلة ابتعاد امه الحبيبة عنه رغماً عنه وهو في سنوات عمره الغضة.
 
عشت زغري يتيم.. امگمط الجوع
ورضعت الضيم من دون اليرضعون 
يمرني العيد وآنه ابثوب مرگوع
وعيديتي جرح عكس اليعيدون
 
اويلي.. 
هذا الكلام والوصف لسمير نفسه وليس لغيره.
من هذا الواقع المر، ومن رحم تلك الظروف القاسية، شب سمير صبيح مع اقرانه في تلك المدينة الفقيرة، الغنية بابداعات ابنائها في شتى مجالات الابداع، وسمير واحد منهم لاشك في ذلك.
في ثمانينيات القرن المنصرم، كنت اعمل في العديد من الصحف المحلية العراقية، وكنت احرر فيها صفحات الادب الشعبي، وكنت اتلقى اسبوعياً كميات كبيرة من الرسائل من بغداد وبقية مدن وارياف العراق تحمل بين طياتها نتاجات شعرية لأصحابها لغرض نشرها في تلك الصحف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، جريدة (الاتحاد) الاسبوعية، ومجلة (صوت الفلاح) الشهرية، كان سمير صبيح الشاعر (الناشئ) آنذاك واحداً من اولئك الذين يراسلونني لغرض نشر نتاجاتهم، لم التق بسمير، لكنه كان يراسلني ويلح علي بنشر نتاجاته، وكنت ارد عليه عبر الصفحة سلباً وايجاباً وهو يتقبل ذلك مني برحابة صدر، لكني كنت احس ان لدى سمير مقدرة لان يكون له موقع ونفس متميز بين اقرانه شعراء المفردة الشعبية العراقية، وهذا ما شجعني بعدها لان انشر له مقتطفات من نتاجاته تلك، ومنها ابيات جميلة من الابوذية والدارمي وغيرها.
 
الدنيه اشما اودنهه وبرهه
تزرفني ابمخايطهه وبرهه
جاعت ناگتي واكلت وبرهه 
الدرب طول اخاف اترد عليه
 
بيت معبر حقاً من ابوذيات سمير، وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي كنت اعد واقدم برنامجاً اسبوعياً من تلفزيون بغداد اسمه (سواليف وطرب) يعنى بالتراث الشعبي والغناء الريفي، استضيف فيه العديد من الشعراء لاكثر من مرة، وكان من بينهم المرحوم الشاعر رحيم المالكي، وكذلك المرحوم سمير صبيح، اذ كان يثري حلقة البرنامج التي يظهر فيها بفيض ابداعاته وسرعة بديهيته وفيض ذاكرته المتوقدة بكل ما هو عذب وجميل ويلقى له صدى ملموساً عند الناس.
وهكذا استمرت مسيرة سمير بالصعود والبروز والتألق، خاصة بعد احداث عام  2003، اثر مشاركاته الفاعلة في عشرات المهرجانات الشعرية التي كثيراً ما يكون سمير صبيح نجمها المتألق في سماء الابداع:
 
جنح بيه انكسر والثاني مخلوع 
طرت گوه عله اعناد اليكرهون 
 
او:
 
 شفت عصفور ميت كل جرح مابيه 
گلت: هي المنيه اشلون واصلته؟
رفعت راسي وشفت بالشجره عش محروگ
گلت: هذا السبب والحرگه كاتلته
 
او:
 
حلفوني بعيني..ماگلت الصحيح 
وحلفوني ابعينك..وماچذبيت
 
وفعلاً فان خسارتنا برحيل هذا الشاعر العملاق كبيرة، فقد طرز مسيرة المفردة الشعبية بالجواهر وعقود الجمان والذهب الابريز الذي لا يصدأ او ( يزنجر).
سمير صبيح الشاعر الحكيم الذي يعرف تماماً اين يضع الاصبع على الجرح الغائر:
 
عگده وراخيه اتدخل اسنونك ليش؟
اذا هيه الاصابع تگدر اتحلهه
 
وفي موضع آخر يقول: 
 
مو من صالحك عالجرف تزرع عود
ما تدري اعله ساعه ايفيض ويغرگه
 
وعندما يشعر بالخيبة والاحباط يردد:
 
بگينه اعله الجبل رماية اسهام 
ونزلت غيرنه اتلم الغنايم
ونعود ثانية لبيدر ابوذية سمير صبيح المغري:
 
يلاهي لكونهم ينزاح كرباي 
اشكثر سيف الحزن بالروح كرباي 
اشلون اتصير عالمزروع كرباي؟ 
الكربته والتركته اللوم بيه
 
وفي مناظرته مع الشاعر الراحل عريان السيد خلف يقول سمير: 
 
غير الروح تقنع من اكلهه اتهون
 
يرد عليه عريان:
 
اتهون اشما طفح ميزانهه اتهون
 
ويتميز سمير باعتداده بنفسه، في العديد من المواقف التي منها:
 
ماصيرن حبل للراد بيه ازماط 
تخلص شدتي ..ايسوني مرجوحه
وفي موضع آخر يقول وكأنه يبشر برحيله:
من ايموت شاعر تحرن النجمات 
والاشجار تبچي اتگول: شاعر مات..!
 
اي تصور صادق هذا الذي تركه لنا سمير عن نهايته كشاعر نجم هوى من عليائه، على حين غره..
ليس هذا فقط بل اتمثل بهذا البيت على لسان ولده المفجوع (علي) بعد أن فقد والده:
 
عمود البيت طاح وطاحت الخيمه
الشعر والبيت بعدك مالهن قيمه!
 
وفي اصداء الرحيل المفاجئ لسمير، يصرخ شاعر الناصرية نعيم رمضان الخيگاني:
 
يالمخلي القصيدة اتسكت العايل
ويالمخورس لسان الگال والگايل 
الك وي المنصه امن الزغر وگفات 
وحروفك يردن كل بشر عايل..!
يالملقن التماده اعله الوطن والدين
درس وعليك دمعن المابچن سايل
اوگف خل نودع صورتك بالآه..
يالمشكبن قهرنه ابگلبك وشايل..
 
والكلام  يطول ويطول عن هذه القامة الشعرية السامقة الباسقة، نم قرير العين شاعري المرهف سمير صبيح بجوار رب عزيز مقتدر.