متاحف استعرضت ثقافة أفغانستان

بانوراما 2021/10/28
...

 كارولينا ميراندا
 ترجمة: بهاء سلمان
طيلة عقدين من الوجود الأميركي في افغانستان، لم يبد عامة الأميركان اهتماما كبيرا بالحرب في تلك البلاد؛ والشيء نفسه يقال عن المؤسسات الثقافية فيها، ففضلا عن كون الوجود الأميركي هناك أمضى المدة بحالة حرب مستمرة تقريبا، كانت هناك فجوة ثقافية واضحة للعيان.
 
{استلزم الأمر الكثير من الإقناع لجعل أي شخص يرغب بتقديم عروض عن البلاد، فقد استمرت الحرب لفترة طويلة، لكن الاهتمام بها برز فقط عندما صارت تمثل كارثة، بحسب الأفغاني {مهيب عصمت}، المختص بإقامة عروض ثقافية في متاحف نيويورك. 
قبل سنة، نظم عصمت عرضا أميركيا منفردا { لا نهاية على مرمى البصر}، وهو أول عرض منفرد لأعمال الفنان الأفغاني {عزيز هزاره}، المقيم في برلين. وبعرض احتضنه متحف هيسل للفنون في نيويورك، تم تسليط الضوء على وسائل الإعلام والتقنيات التي صاغت النظرة الأميركية لأفغانستان والحرب فيها.
وكان هزاره قد شارك أيضا بداية 2020 بمعرض كبير أقيم في سيدني الاسترالية، حيث قدم فيلما قصيرا لخمسة فتيان أفغان يكافحون للوصول إلى أعلى قمة تعصف بها الرياح، مع إطلاقهم لتحذيرات من بوق بلاستيكي، حيث عملت الصيحات الحادة للبوق، مع طريقة تغلّب الفتيان على التيار الهوائي للريح، على رسم صورة كاملة للحزن واللاجدوى.
 
التعلّق بالماضي
ربما انتهى الاحتلال الأميركي لأفغانستان رسميا مع رحيل آخر جندي من كابول، لكن التداعيات الثقافية للصراع ستبقى حيّة لعقود. وستبقى أصداء التفاعل مع الموضوع في الغرب منظورة على المدى الطويل، وخصوصا داخل الولايات المتحدة، حيث تمثيل الثقافة الأفغانية شحيح للغاية، أو في بعض الحالات، يظل مهتما على الإرث القديم.
ربما كان أكبر عرض للفن الأفغاني هو العرض المتنقّل الذي أطلق عليه {افغانستان.. الكنوز المخفية من متحف كابول}، الذي حط رحاله في العديد من المؤسسات الثقافية الأميركية خلال العامين 2008 و2009، بين مدن واشنطن ونيويورك وسان فرانسيسكو. شمل العرض نحو 200 قطعة أثرية لمرحلة ما قبل الإسلام، توضح الأهمية الستراتيجية لموقع المنطقة كونها أحد محاور طريق الحرير، حيث تلاقت وامتزجت حضارات فارس والإغريق وبلاد الرافدين والهند معا.
لم تبقَ هذه القطع الفنية حاضرة على امتداد القرون فقط، بل تم الحفاظ عليها عبر فترة مضطربة من الغزو والحروب شهدتها البلاد مع نهاية القرن العشرين، حيث خبأها أمناء متاحف نافذي البصيرة، من الاحتلال السوفيتي سنة 1979 حتى تم الكشف عنها سنة 2004 بعد سقوط حكم طالبان الأول. ووصفت {روبيرتا سميث} من صحيفة نيويورك تايمز هذه القطع بأنه {انتصار}، كتذكير لكون {كل قطعة ناجية تحفظ خيوطا طويلة من الثقافة والهوية والتأريخ أكثر من القطعة نفسها بكثير، وتنتظر أن تنسج سوية للعودة إلى الماضي}.
 
أفكار منقولة
وبالنسبة لعالم الفن المعاصر، تم توثيق أفغانستان عموما من خلال عيون فناني الغرب، وكان أشهرهم الفنان الإيطالي {أليغييرو بويتي}، الذي كان في سبعينيات القرن الماضي مولعا بكابول، وافتتح دار ضيافة {وان هوتيل} الذي صار ملتقى للفنانين والنقاد المتجوّلين. هناك، ابتكر سلسلته المسماة {مابا} 
(Mappa)، وهي خرائط تبحث عن الموضوعية، وتم عرضها على شكل سجادة أفغانية مطرّزة. ووجه بويتي النساجين الأفغان لتنفيذ الأعمال الفنية، التي غالبا ما تستغرق سنوات لاتمامها.
وعندما اختارت مجموعة دوكيومنتا 
(documenta)، النسخة الثالثة عشرة من معرض الفن المعاصر، الذي يقام كل خمس سنوات بتنظيم ألماني، سنة 2012 كابول كموقع للأقمار الاصطناعية، أبرز الفنان المكسيكي {ماريو توريس} إرث بويتي في أعماله الخاصة، وذهب إلى العاصمة الأفغانية بحثا عن دار الضيافة الشهير، وأجرى مراسلات خيالية عبر جهاز الفاكس مع بويتي المتوفى منذ زمن بعيد عن الفلم الذي أراد إنجازه حول 
المكان.
يقول عصمت: {كل شخص في الغرب يتأمل كابول تراوده فكرة بويتي وفندقه، ويقتفون تأريخه هناك، لكنهم لا يستطيعون تتبع أثر الفنانين الذين كانوا موجودين هناك بالفعل عندما كان بويتي يستعد للسفر إلى أفغانستان}. لقد تلقى بويتي معاملة مؤسساتية راقية، لا تماثل ما تلقاه فنانو القرن العشرين من الأفغان المعاصرين لبويتي. وفي العام الماضي، قدّمت الفنانة الأفغانية {مريم غني}، ابنة الرئيس المنفي أشرف غني، عملا من مشروعها {ما تركناه لا نتهي} في أحد متاحف هيوستن. وكان من بين أعمالها برنامج وثائقي، حمل الإسم نفسه، يستعرض قصص خمسة أفلام من الحقبة الشيوعية لأفغانستان، تم تركها بدون الإنتهاء منها، وقد عرض في الولايات المتحدة خلال شهر آب الماضي.
 
ثقافة منسيَّة
تعد {ليدا عبدول} إحدى الفنانات الأفغانيات الأكثر ظهورا على المشهد الفني الغربي. وكانت قد فرّت مع عائلتها بعد الغزو السوفيتي للبلاد، واستقرت في لوس انجليس، حيث أكملت دراستها في الفلسفة والعلوم السياسية، ونالت شهادة الماجستير بالفنون الجميلة من جامعة كاليفورنيا. وأقامت ليدا معرضا منفردا سنة 2008 في متحف انديانابوليس للفنون، وآخر سنة 2010 بجامعة الينوي، ومثلت أفغانستان في مهرجان البندقية للفنون الحادي والخمسين سنة 2005، وهي المرة الوحيدة التي شاركت فيها أفغانستان بذلك التجمّع 
لعالمي. 
قدمت ليدا خلال المهرجان شريطا مرئيا حمل إسم {البيت الابيض}، يستعرض رسمها لأنقاض القصر الرئاسي السابق في كابول بمسحة ناصعة من البياض.
ورغم إقامتها في أميركا، إلا أن سيرتها الشخصية تشير إلى مساهتمها بالكثير من المعارض الخارجية، تفوق كثيرا ما قدمته داخل الولايات المتحدة. وبينما ظهرت في عدة عروض لمجاميع فنية في لوس انجليس، لم تسمح لها الظروف لإقامة عرض منفرد في المدينة، ولا حتى بمساحة صغيرة. تقول {سارة رازا}، المتخصصة بإقامة المعارض الفنية، والتي عملت مطوّلا مع ليدا عبدول على مدى عقدين: {لم يبدِ أي أحد أي اهتمام، فالكل يبدون اهتمامهم حينما توجد هناك 
كارثة}.
على مدى عشرين سنة، كانت الولايات المتحدة تقول أنها مرتبطة مع  افغانستان على نحو لا ينفصم، لكن وسائل كثيرة جدا، أظهرت اخفاق المتاحف الأميركية بتعريف تلك العلاقة، وفرضت حالة الانسحاب لحظة يتوجب فيها على الطرفين إلقاء نظرة على ما جرى. يقول عصمت: {تحدثوا عن القصة المعقدة بكاملها، فهذا أقل شيء يمكننا فعله}.
 
صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية