علي حمود الحسن
كثيرة، هي المهرجانات السينمائيَّة التي تأسست بعد العام 2003، لكنَّ القليلَ منها من امتلك القدرة على الاستمرار والتجدد، لأسبابٍ كثيرة ليس أقلها افتقار العراق الى صناعة سينمائيَّة؛ فلا قطاع خاصاً داعماً، ولا استوديوهات معتبرة، ولا دور عرض سينمائية مؤهلة، باستثناء مهرجان "أطاريح الطلبة" في كلية الفنون الجميلة، الذي هو جزءٌ من بنية الدرس الأكاديمي.
ويحسب لمؤسسي هذه المهرجانات شرف الريادة، فالعمل في هذا الحقل إبان سنوات الجمر العراقي التي تلت إسقاط الدكتاتوريَّة، ترفٌ ومغامرةٌ لا تحمد عقباها، ومع ذلك ظهرت فعاليات سينمائيَّة واعدة تمتلك معاييرَ مهنيَّة ومبتكرة، على الرغم من محدوديَّة التمويل، ومهرجان "3 دقائق في 3 أيام"، واحدٌ منها ولكنه مختلفٌ عنها أيضاً؛ فمؤسسه رجل أعمال وفنانٌ وأستاذٌ أكاديميٌّ، اقتفى أثر حلم أنْ ينتج أفلاماً لصناع سينما شباب لا يجدون تمويلاً، مبتكراً فكرة أفلام لا يتجاوز زمنها الثلاث دقائق، وهذا ليس تهويماً وشطح خيال، إنما وعيٌ بإمكانيات الشباب.
فإنتاج فيلم بثلاث دقائق لا يتطلب كلفة عالية، ما جعل الشباب (وأغلبهم طلاب كلية ومعهد الفنون) قادرين على إنتاج أفلامهم، وهذا ما أعطى للمهرجان روحاً وإيقاعاً متميزاً ليس على الصعيد المحلي إنما العربي وربما العالمي، خصوصاً أنَّ صناعة فيلم قصير جداً تتطلب مهارة وابتكاراً، فليس سهلاً اختزال فكرة أو موضوع بثوانٍ، ولم يكتف مؤسسو المهرجان بدلالة الرقم ثلاثة الزمني –رقم ثلاثة له دلالة في المثيولوجيا والأديان منها أفضلية الابن الثالث على اخوته- إنما تعدوها الى اتخاذه تعويذة لمهرجانهم، فالجوائز ثلاث، ولجنة التحكيم والفرز ثلاثية، وموعد انطلاق المهرجان في الشهر الثالث وكلمات الافتتاح حددوا زمنها بثلاث دقائق، وكل هذا يشكل ملامح روح المهرجان والى حدٍ ما فرادته، وأضيفُ سبباً آخر لنجاح هذه الفعاليَّة البصريَّة، هو استقلاليَّة المهرجان وقدرته على الحصول على التمويل من القطاع الخاص ضمن معايير واشتراطات متعارف عليها دولياً، بمعنى ابتعاده عن الهيمنة الحكوميَّة واستحقاقاتها الروتينيَّة، وهذا لا يعني أنَّ "3 دقائق في 3 أيام" مهرجانٌ كاملٌ بلا أخطاء أو منغصات، فبعد ثلاث دورات ناجحة نسبياً حققت الى حدٍ ما أهدافها؛ صار المهرجان معروفاً دولياً، وفتحت معه قنوات للتعاون مع فعاليات منصات سينمائيَّة عالمية كبرى، فضلاً عن تواتر تصاعد مستوى الأفلام المشاركة.
بدت النسخة الرابعة مربكة تنظيماً، إذ ضاقت القاعة بالجمهور الذي اضطر البعض منهم الى متابعة المهرجان وقوفاً وكان توزيع الكراسي منغصاً للمشاهدة وعلى الرغم من لطافة وحسن اختيار مقدمة الحفل، إلا أنها ارتبكت أكثر من مرة، ولم يكن مستوى الأفلام وتميزها كما في الدورات السابقة عدا بضعة أفلام، وعلى العموم بدت مكانة المهرجان أكبر مما قدر مديروه، وهذا يعني أنْ تكون الاستعدادات لدورته المقبلة أكبر على الأقل في الافتتاح والاختتام الذي أتمنى مسكه نجاحاً باهراً.