السبب وراء نوبات غضب ماكرون

بانوراما 2021/10/30
...

شارو كاستوري
ترجمة: شيماء ميران
تزداد خلافات اميركا مع حلفائها الاوربيين عمقا أبعد من مسألة أسطول غواصات، وتبدو المسؤولية ملقاة على كلا الطرفين. فالشعور كضحية، والنظرة غير الواقعية للتاريخ، والردود الدرامية المبالغة والتهديدات بالانتقام، مصطلحات استخدمها كثيرون طيلة أعوام لوصف السياسة الخارجية للرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب. أما اليوم، فهي تتوافق مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي حاول ان يضع نفسه مناهضا لترامب، كونه غالبا ليبراليا، دمثا، عولميا. 
 
 
 
فقد ألغت استراليا مؤخرا اتفاقية عام 2016 مع فرنسا لشراء اسطول غواصات،  إذ تعمل السفن الفرنسية بالطاقة النووية، لكن باريس تعهدت بتحويل محركاتها للعمل بالديزل نظرا لمعارضة استراليا للطاقة الذرية. ورغم ذلك قررت كانبيرا اليوم التخلي عن الاتفاقية، والتوقيع على صفقة ثلاثي جديد مع اميركا وبريطانيا، يهدف بيع الاخيرتين غواصات نووية لاستراليا.
ما جعل فرنسا تشعر بالحزن، لكن التكاليف الباهظة والتأخير في تسليمها الغواصات لاستراليا أدخل مفاوضات تسليمها جوا من التوتر. وإن إحاطة فرنسا بنبأ تخلّي استراليا عن الاتفاقية من وسائل الاعلام، بحسب مسؤولين، يدل على دبلوماسية سيئة من قبل كانبيرا وواشنطن ولندن.  لكن استدعاء فرنسا لسفرائها من واشنطن واستراليا خطوة مبالغة بها. وبذلك، جعلت باريس الرئيس الاميركي جو بايدن ينتظر الفرصة للحديث مع ماكرون وكأنه شخص لا يرغب بالحديث مع زميله ،بعد تصرف وكأنه خيانة ملموسة. لكنهما تحدثا في النهاية، ووافقت فرنسا على إعادة سفيرها إلى واشنطن، ومن المتوقع ان يلتقي بايدن وماكرون قريبا. ورغم تجاوز الامر بصعوبة، لكن فرنسا لم تؤكد مشاركتها بالإجتماع الأميركي الاوروبي القادم للمجلس التجاري والتكنولوجي في بيتسبرغ، كما لم يتحدث ماكرون مع رئيس الوزراء الاسترالي سكوت موريسن حول خلافهما الدبلوماسي.
 
الفوز في الانتخابات
يقول المراقبون إن على باريس التصرف بشكل افضل. إذ يتنافس مصنعو الدفاع الفرنسيين دائما مع أقرانهم في اميركا وبريطانيا وايطاليا وروسيا وغيرها بشدة للفوز بعقود بمليارات الدولارات. ففي السنوات الاخيرة، اختارت الهند طائرات رافال الفرنسية بدلا من يوروفايتر التي صنّعها تحالف شركات بقيادة بريطانية، ومن طائرات سيخوي الروسية. كما فضلت اليونان وكرواتيا طائرات رافال على اليوروفايتر مؤخرا. فهذه الصفقات الضخمة تشهد فوز البعض وخسارة الآخر. يدور السؤال حول السبب الحقيقي لردة فعل ماكرون، ويذهب البعض إلى أنه تصرف لضمان فترته الرئاسية الثانية عبر انتخابات نيسان القادم، إذ لم يفز رئيس فرنسي بانتخابه مرة ثانية منذ فوز جاك شيراك سنة 2002. وعلى الفور، وجهت الاحزاب المعارضة الانتقاد لماكرون لخسارته الاتفاقية الاسترالية، منعا لإستثماره الأزمة الدبلوماسية لمصلحته الانتخابية. لكن هذه الواقعة كشفت بنحو اعمق الانقسام طويل الامد بين اميركا والحلفاء الاوروبيين. وطلب الاتحاد الاوروبي مؤخرا برئاسة أورسولا فون دير لاين توضيحا من استراليا، قبل ان يستأنف الطرفان محادثات تجارية حيوية. وسعى مسؤولون آخرون في البرلمان الاوروبي للحصول على اعتذار من كانبيرا. كما اثار الجدول الزمني الذي وضعه بايدن للانسحاب من افغانستان حفيظة الحلفاء الاوربيين لاميركا، الذين ضغطوا على الرئيس الاميركي للحصول على المزيد من الوقت لإجلاء مواطنيهم وحلفائهم الافغان بطريقة اقل فوضوية. ويشعر الاتحاد الاوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا بالقلق حيال التكتيك العسكري والتجسسي لروسيا، ومنها محاولاتها التاثير على الانتخابات الألمانية التي جرت مؤخرا، ومع ذلك تسعى برلين وباريس ايضا للتعامل مباشرة مع موسكو بدلا من السماح لواشنطن بإملاء اوامرها. فيشدد ماكرون والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل على حاجة اوروبا لمزيد من الاستقلالية الستراتيجية. ويرى أولاف شولتس من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني؛ المتوقع ان يكون خليفة ميركل القادم؛ أن العلاقات مع باريس حجر أساس للسياسة الخارجية لالمانيا.
الغرب مفكك
وبلا شك، فان نهج ترامب (إتبعوا طريقي أو الطريق الخارجي)، وإعراض بايدن عنه تماما، حقن العلاقات عبر المحيط الأطلسي بالتوترات. وبينما يتحدث بايدن كثيرا عن احترام الحلفاء والاصدقاء التقليديين، لكن تعامل ادارته مع فرنسا في موضوع الغواصات النووية يشير الى حقيقة انها اكثر تعقيدا. لقد وصفت فرنسا الاتفاقية بين اميركا وبريطانيا واستراليا بالخيانة، بينما اسماها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بانها “طعنة في الظهر”، مع أنها هزت الثقة بين اميركا وفرنسا واوروبا الى حد بعيد قبل ظهور الاخبار عن اتفاقية الغواصات.  لكن فرنسا لها حضور في المحيط الهندي اكثر من اية دولة اوروبية اخرى، حيث توجد قواعدها في جيبوتي ومناطق مايوت وريونيون عبر المحيط والاراضي الفرنسية الجنوبية وأراضي القطب الجنوبي. وتشاطر باريس واشنطن بشأن مخاوف التوسع الصيني في المنطقة. بما يعبر عن أهمية منطقية للولايات المتحدة لضم فرنسا كشريك رئيس عبر تحالف المحيطين الهندي والهادئ الجديد بهدف احتواء الصين. ورغم رد فعل ماكرون المبالغ فيه لم يكشف عن هذا. ويتوقع ان تظهر هذه الخلافات بين اميركا والقارة الاوروبية بعدة أشكال خلال السنوات القليلة القادمة، وظهور نزاعات حول كل شيء سواء في ما يتعلق بالمنصات التكنولوجية وستراتيجيات اللقاح. ويبدو ان الأزمة لا تؤثر في حلف الناتو او بقية عناصر النظام الاميركي الاوسع للتحالفات والمعاهدات، لكنها ستوتر العلاقات مؤقتا، وتجلب السكينة لروسيا والصين اللذين يدركان اليوم ان الغرب مفكك وليس متحدا.
عن مجلة اوزي الاميركية