علي حسن الفواز
المراجعة الثقافية للأفكار تعكس مدى أهميتها، ومدى الحاجة الى تحفيزها وتطويرها، وبالاتجاه الذي يمنح هذه الأفكار قوة تفاعلية، ويضعها أمام استحقاقات جديدة، ترتبط بالحاجات المعرفية، والعلمية، وبسياقات العمل التداولي التي تعزز وجودها في الاجتماع الثقافي والسياسي والاقتصادي..
علاقة الافكار بالحركة، تأخذ أهميتها من خلال تلك المراجعة، إذ تكون تلك المراجعة مجالاً حيوياً لإزاحة العديد من الأشياء الخارجة عن الاستعمال، والتي باتت عقداً أمام أية حركة موضوعية، وإجرائية لتطويرها، ولتنميتها، واحسب أنَّ ما يحدث في مجالات المعرفة يتطلب مزيداً من الاسئلة النقدية، بوصفها جوهراً في اية مراجعة حقيقية، على مستوى الدرس المنهجي، أو على مستوى السعة التداولية للافكار التي نحتاج الى تغذية عناصرها، وتقوية فعلها في المجالات المتعددة، بدءاً من مجال السياسة والاقتصاد والعمل الأكاديمي والمؤسساتي وليس انتهاءً في مجال الصناعات الثقافية والاعلان والدعاية، لا سيما أنَّ العالم الرقمي قد أسهم في توسيع البيئة الاستهلاكية لتلك الصناعات، إذ خلق لها مجتمعاً افتراضياً له تصوراته الذهنية عن تلك الأفكار، مثلما أوجد لها مجتمعاً واقعياً يستجيب لحاجات استهلاك بضاعتها والترويج لها.
التأسيس النقدي للمراجعة، يحتاج الى معطيات مادية، والى خطط وبرامج، والى بيئات صالحة لذلك، ومنها بيئة صانع القرار، وبيئة المؤسسة، وبيئة المستهلك، وكذلك البيئة العلمية والتسويقية، إذ تمثّل هذه البيئات العالم الذي نحتاج دائماً الى مراجعة سياقات عمله، فضلاً عن مراجعة أدواته ووسائله، وطبيعة الأفكار التي يتم إنتاجها واستهلاكها.
العمل على تطوير البيئة الجامعية قد يكون من أكثر الخيارات واقعية وأهمية، لأنها تشكل البيئة الخصبة لجمهور العمل الثقافي الذي يتعلم، ويستهلك ويُنتج الثقافة بوصفها المعرفي والعلمي والسياقي المنهجي، وهو ما يعني ربط هذا العمل بستراتيجيات وسياسات وخطط، وأطر تكفل إنعاش البيئة الثقافية للجامعة، عبر تكريس استقلاليتها أولاً، وعبر رفدها بكل العوامل والإمكانات المادية واللوجستية التي من شأنها أنْ تُغذي العمل وتطوره ثانياً، وتعزيز البنى العلمية والمؤسساتية في الجامعة، لا سيما على مستوى الدراسات العليا ثالثاً، وعلى مستوى الضبط العلمي، وتنظيم اختيار المرشحين لهذه الدراسات، واختيار نوعها ومدى اهليتها وفائدتها وجدتها رابعاً، إذ ستكون الجدّة أبرز وجوه المراجعة، وأكثر عناصر حركتها التفاعلية والنقدية، وقدرتها على إثارة مزيد من الأسئلة التي تقارب الواقع، وتسعى الى تغييره، والى تأهيله، والى مراجعة الكثير من مشكلاته وعقده.