استخلاص الماء من الهواء: هل ستوفّر الألواح المياه لمجتمعات ألهبها العطش؟

بانوراما 2021/11/01
...

  شيفا ناغاراج
  ترجمة: أنيس الصفار                                       
 
سيارات البيكاب الصغيرة وهي تسير على الطرقات الترابية حاملة الماء، منظر مألوف في منطقة “نافاهو نيشن” في الولايات المتحدة، فسكان هذه المنطقة يعانون من نقص المياه في مساكنهم أكثر من سائر الاميركيين بنحو 67 ضعفاً.
في محمية “نافاهو” الواقعة في ولايتي أريزونا ونيومكسيكو، هناك اكثر من 500 منزل مزودة بأجهزة خاصة مهمتها معالجة نقص المياه. هذه الاجهزة، التي تسمى ألواح الماء، تعمل على امتصاص الماء من الهواء وإرساله مباشرة الى آلية توزيع داخل المنزل. ينتج اللوح الواحد نحو خمسة لترات من الماء يومياً، ويكفي لوحان منها لتوفير حاجة أسرة من مياه الشرب، وفقاً لما تقوله شركة “سورس” التي تنتجها ومقرها ولاية أريزونا.
يقول “جيري وليامز” وهو الرئيس السابق لمركز “نافاهو ليشي شابتر” في أريزونا، حيث نصبت تلك الألواح لأول مرة، أنه كان متشككاً في البداية بشأن نجاحها الى أن زار إحدى الأسر ورأى بعينه. يضيف وليامز أن هذه الأسر كانت تخرج في الماضي مرتين اسبوعياً أو اكثر لإحضار حاجتها من الماء، ولكنها الآن تحصل على مياه الشرب من الألواح.
أكثر من ملياري انسان في العالم لا يحصلون على كفايتهم من الماء، ومع حلول العام 2025 سوف يعيش نصف سكان العالم في مناطق تشح فيها المياه. فمع تسارع أزمة المناخ، وما سيعقب ذلك من تفاقم حالات الجفاف وذوبان المناطق الجليدية وتلاشي مصادر الماء العذب، سيكون من المتوقع ان يزداد نقص المياه حدة.
مشروع في بدايته
“سورس” هي إحدى الشركات، التي تدعي أن لديها حلاً لمشكلة شح المياه باستخدام تقنية يطلق عليها “توليد الماء من الهواء”، وتعرف اختصاراً بالأحرف “أي دبليو جي” وهي عملية استخلاص الماء النظيف من الهواء مباشرة. التقنية نفسها ليست جديدة ولكنها تقليدياً كانت تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، كما كانت مقتصرة على المناطق التي ترتفع فيها مستويات الرطوبة، بيد أن شركات من امثال “سورس” تقول انها قد تمكنت من التغلب على هذه التحديات بابتكار تقنية تستمد طاقتها من المصادر المتجددة، وهي قادرة على استخلاص الماء من الهواء في أشد الظروف المناخية جفافاً، ولو ان هناك من الخبراء المتخصصين من يشكك بهذه الادعاءات. 
تأسست شركة سورس على يد “كودي فرايزن” استاذ علم المواد في جامعة ولاية أريزونا. يقول فرايزن ان اهتمامه بشحة المياه قد شحذته رحلاته الى اندونيسيا وأميركا الوسطى، حيث لا يتوفر للناس ما يشربونه رغم كثافة ما يسقط من امطار تصل أحياناً الى 10 أقدام في السنة. 
وجه فرايزن اهتمامه الى الماء الذي يحمله الهواء، ذلك إن الهواء يحمل ستة أضعاف ما تحمله أنهار العالم من المياه مجتمعة، فقام بتطوير ألواح تستخدم المراوح لتسحب الهواء اليها، وما إن يصبح الهواء داخل الجهاز حتى يتحول بخار الماء فيه الى سائل يتم ترشيحه وتضاف اليه الاملاح. يقول فرايزن ان مصدر الطاقة الوحيد لهذه الألواح هو ضوء الشمس وهي قادرة على العمل في نطاق واسع من المناطق بما فيها تلك التي تنخفض فيها الرطوبة أو التي ترتفع فيها مستويات التلوث أو المناطق النائية التي لا تصلها شبكات الكهرباء.
تبيع “سورس” الواحها للفنادق والمنتجعات والمطاعم والمحلات والبيوت كما تمتلك ما يسمى “مزارع الماء” في أريزونا ودبي واستراليا، وقد تعاقدت مؤخراً مع إحدى الشركات السعودية لتجهيز أحد المنتجعات الجديدة بمليوني قنينة ماء في السنة.
نصبت الشركة ألواحها أيضاً في مدارس وقرى ومستشفيات في بلدان مثل الهند والفلبين وكينيا، وفي كولومبيا نصبت ألواحها في منطقة “باهيا هونديتا” النائية الجرداء التي دمرها الجفاف، وكثير من سكانها يضطرون للسير ساعات كي يحصلوا على ماء صالح للشرب. خلال العام الماضي نصبت الشركة 149 لوحاً بهدف تزويد المنطقة بمياه الشرب.
ترسل الالواح بشكل مستمر بيانات عما تنتجه من مياه الى الشركة في أريزونا، وتنتج ألواح الوايو 3,2 لتر في اليوم كمعدل في حين تنتج الواح نافاهو ما بين 2 و 4 لترات للوح الواحد حسب الموقع الذي نصبت فيه داخل المحمية.
أصوات منتقدة
تميل بعض الاطراف في ميدان الصناعة المائية الى انتقاد شركة “سورس” لأسباب التكاليف والانتاجية. فالمنظومة البسيطة المكونة من لوحين فقط تتراوح كلفتها بين 5500 و6500 دولار بضمنها تكاليف النصب، كما إن اللوح الواحد يبلغ وزنه نحو 150 كيلوغراماً ويتطلب مساحة تقارب 3 أمتار مربعة. اللوح الواحد قادر من الناحية النظرية على إنتاج خمسة ألتار من الماء يومياً ولكن حسابات “سورس” تظهر أن ذلك يتباطأ إلى أقل من لترين في ظروف الرطوبة الواطئة أو وجود سحب في السماء، ويتوقف الانتاج تماماً في ظروف الانجماد.
يقول “كرستوفر غاسون” من شركة “غلوبال ووتر إنتلجنس” (ومعناها: استخبارات المياه العالمية) إن مشكلة ألواح الماء الاساسية تكمن في ضآلة ما تنتجه من ماء قياساً الى حجمها وسعرها. فالفرد الواحد يحتاج الى 50 لترا من الماء يومياً كمعدل، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، كي يغطي احتياجاته من شرب وطبخ وتنظيف، وهذا معناه نصب 17 لوحاً لكل فرد كما يقدر غاسون. لذا يعتقد ان ألواح الماء ليست حلا واقعياً لمشكلة شح المياه، وربما يكون الأوجه التصدي للمشكلة بتحسين وسائل تجهيز الماء من قبل الجهات المعنية وتوفير وحدات الترشيح وأكشاك بيع المياه.
ألواح الماء إذن تصلح حلاً فقط حين لا يكون لديك اي مصدر آخر للماء على الاطلاق وبالمعنى الحرفي للكلمة، كما يقول المحللون.
يرفض فرايزن هذه الانتقادات ويرد بأنه يتوقع ان ترتفع الانتاجية وتنخفض التكاليف خلال وقت قصير. فكلفة المواد الأولية التي يصنع منها اللوح تصل الى 200 دولار، وهذه الكلفة تعكس تحديات الانتاج على النطاق المحدود (شركة سورس تنتج 1000 لوح شهرياً)، ويقارن فرايزن الأمر بالتقنيات المتجددة الاخرى مثل الالواح الشمسية وبطاريات ليثيوم أيون التي حمل عليها النقاد ايضاً ذات يوم بسبب ارتفاع كلفتها ووصفوها، بضعف الكفاءة لكن تكاليفها استمرت بالانخفاض منذ ذلك الحين.
 
عن صحيفة التلغراف البريطانية