كنيسة سيدة النجاة.. في الذكرى 11 عاما على مجزرة عصابات القاعدة

منصة 2021/11/02
...

 بغداد: الصباح
 
{سيدة النجاة} كاتدرائية للسريان الكاثوليك كائنة في حي الكرادة ببغداد، تشتهر بصليبها الكبير الذي يمكن ملاحظته من جميع أرجاء الحي العراقي. 
وشيدت الكاتدرائية، التي تعد واحدة من أكبر دور العبادة الكاثوليكية في بغداد وتضم كنيسة كبيرة وتعرف محلياً باسم {أم الطاق}، في عام 1968، وقام بتصميم المبنى المهندس المعماري البولوني كافكا، وساعده في ذلك مكتب رومايا الهندسي للرسومات الفنية، في حين أوكلت أعمال البناء لرجلي الأعمال العراقيين فيكتور تابوني وعدنان ساجد.
افتتحت الكنيسة في 17 آذار عام 1968م، بعهد المطران يوحنا باكوس. تضم الكنيسة في حوشها مدرسة ابتدائية للطائفة (المدرسة الافرامية)، بجوارها كان بناء قديم (دار للمطرانية)، هدم وأعيد بناؤه بعهد المطران متي متوكا شابا.
للكنيسة فكرة تصميم معمارية مميزة، حيث تبدو كالقارب، والصليب هو صاري الشراع على شكل قوس، مما يوحي ان كاتدرائية سيدة النجاة تمثل القارب الذي يحمل المؤمنين، كالقارب الذي كان يحمل يسوع مع تلاميذه.وأعيد ترميمها بعد تفجير ضخم شهدته خلال الألفية الحالية عرف باسم "مجزرة سيدة النجاة". وهو أبشع هجوم ارتُكب ضد مسيحيي العراق كان في 31 تشرين الأول عام 2010 ضمن كنيسة/ كاتدرائية سيدة النجاة، بعد قيام مجموعة مؤلفة من (5- 15) متطرفا بتنفيذ هجوم أدى إلى مقتل 52 شخصاً (أطفالا، نساء ورجالا بينهم كاهنان، ثائر عبد الله ووسيم صبيح) وعشرات الجرحى.
كانت الجثث الممزقة منتثرة على الأرض في كل مكان والجدران مليئة بثقوب الرصاص وآثار الانفجارات. 
 
كارثة لا تصدق
كما وشهد على هذه المذبحة المطران بيوس كاشا، النائب الأسقفي للسريان الكاثوليك في بغداد، وكان أول من دخل الكاتدرائية بعد تدخل قوات مكافحة الإرهاب. صوّر جميع الجثث التي كانت ممددة ضمن الكنيسة، الواحدة تلو الأخرى.
وقد ساهم هذا الهجوم بنشر الوعي عالمياً لما يتعرض له مسيحيو العراق من إساءات، تهديدات واضطهاد من قبل الجماعات- العصابات المتطرفة.
 ويعتقد أن العدد الحقيقي للمجموعة المسلحة غير معروف. حيث استطاع عدد منهم الهروب أثناء عملية إجلاء الجرحى.
وقد عّبر المطران بيوس كاشا عن اللحظات التي عاشها ضمن كتاب مؤلف من 666 صفحة الذي أهداه للبابا بنوا السادس عشر في 12 كانون الثاني 2012.
 
تأهيل الكاتدرائية
ورغم أن كنيسة سيدة النجاة احتضنت مراسم دينية عدة منذ الهجوم الإرهابي، فإنها افتتحت رسمياً 14 ديسمبر/ كانون الأول 2012.  منذ ذلك الحين، تمت إعادة تأهيل كاتدرائية سيدة النجاة بل وتزيينها في محاولة للتغلب على آثار الجريمة. التغلب على الكارثة لا يعني نسيانها، حيث شيد نصب تذكاري ضمن قاعة بجوار الكاتدرائية، حيث يمكننا الاطلاع على الأغراض الملوثة التي استخدمت أثناء العبادة والبعض من ذكريات الآباء ثائرعبد الله ووسيم صبيح.
وبحسب المطران بيوس كاشا فقد انتشر فقدان الأمن وتزايد قبل هجوم 31 تشرين الأول 2010. ومع ذلك، كانت 5000  أسرة تتردد إلى كاتدرائية سيدة النجاة، 7000 أسرة إلى كنيسة مار بهنام، و2000 أسرة إلى كنيسة القديس يوسف. وبالإجمال، يمكننا إحصاء 14000 أسرة من السريان الكاثوليك في بغداد.
 
قلب الكنيسة
في الواقع، يبدو مبنى الكنيسة/ الكاتدرائية جديد. تم اتخاذ قرار إعادة تأهيله من قبل رئيس أساقفة بغداد ماتيو شابا ماتوكا وأوكلت هذه المهمة إلى المهندس زياد. تم تنفيذ أعمال البناء من قبل المطران مار أفرام يوسف منصورعبا، الذي عيّن رئيساً لأساقفة بغداد في آذار 2011. تم التدشين في 14 كانون الأول 2012، تقريباً بحضور جميع بطاركة مسيحيي الشرق.
يغطي الخشب جميع الأعمدة والجدران الداخلية. تم نقش أسماء الشهداء على الخشب على طرفي صحن الكنيسة. الضوء الطبيعي الذي يصل من خلال الواجهات الزجاجية المتعددة الألوان يوحي بجو مشع. الثريّات الكبيرة تملأ الفضاء البصري وتزيده روعة. القوس الذي يعلو المذبح يمثل (في الداخل) شراع القارب (في الخارج).
وعلى القوس الذي يعلو المذبح في قلب الكنيسة، يمكننا أن نرى صورة للسيدة مريم العذراء (سيدة النجاة) بيدين مفتوحتين في شكل دعاء، حيث تحمل ابنها المسيح المخلص في قلبها. لم يتعرض هذا العمل لأي ضرر خلال الهجوم الذي وقع في 31 تشرين الأول 2010، والذي يعده الكثيرون بمثابة معجزة. هي أيقونة صممها الكاهن الكلداني ميخائيل أوفي في روما عام 1904. زينت هذه اللوحة في وقت من الأوقات أحد المذبحين الجانبيين لكنيسة السريان الكاثوليك في الحي المسيحي القديم في بغداد، عقد النصارى. أيضا، يمكننا أن نرى في القبة الموجودة فوق وسط الكنيسة لوحة من خزف الفسيفساء تمثل تتويج العذراء حاملة في ذراعيها الطفل الملك. تم تنفيذ هذه اللوحة من قبل فنان مسلم عام 1994.
 
قداسة البابا
تأتي زيارة قداسة البابا فرنسيس لكنيسة السريان الكاثوليك في بغداد بعد 11 عاما على إدانة بابا الفاتيكان، آنذاك، بنديكتوس السادس عشر تفجير {سيدة النجاة} وما سماه {العنف العبثي والوحشي ضد أشخاص عزل في العراق}، معبرا عن تضامنه مع الطائفة المسيحية.
وقال في كلمة له خلال زيارة الكنيسة، إن {الصعاب جزء من حياتكم اليومية، أنتم المؤمنون العراقيون، فقد كان عليكم في العقود الأخيرة، أن تواجهوا عواقب الحرب والاضطهاد، وهشاشة البنى التحتية الأساسية، وأن تناضلوا باستمرار، من أجل الأمن الاقتصادي والشخصي، والذي غالبا ما أدى إلى نزوح داخلي وهجرة الكثيرين، بما في ذلك بين المسيحيين، إلى بلدان أخرى في العالم}.
وأضاف: {إني أشكركم، أيها الإخوة الأساقفة والكهنة، على بقائكم قريبين من شعبكم، وعلى دعمكم له، وسعيكم لتلبية احتياجات الشعب ومساعدة كل واحد على القيام بدوره في خدمة الخير العام}. وأشار البابا إلى أن {الرسالة التربوية ورسالة المحبة في كنائسكم الخاصة تمثل موردا ثمينا لحياة الجماعة الكنسية والمجتمع بأسره، إني أشجعكم على المثابرة في هذا الاجتهاد، من أجل أن تتمكن الجماعة الكاثوليكية في العراق، وإن كانت صغيرة مثل حبة الخردل من الاستمرار في إثراء مسيرة البلد بأكمله}. وبعد التفجير، صلى البابا في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان {من أجل ضحايا العنف العبثي الذي استهدف أشخاصا عزلا مجتمعين في بيت الله الذي هو بيت محبة وتسامح}.