زيد الحلي
إن حدثتُ احفادي عن الحياة العصرية التي كان معظم العراقيين يعيشونها في حياتهم اليومية ولاسيما في المدن، وحاضرتهم العاصمة بغداد على وجه الخصوص، ايام الخمسينيات والستينيات وما بعدها في القرن المنصرم، فإن العجب والاستغراب وربما عدم التصديق سيعتريهم، والحق معهم، فبين اليوم والامس مساحة واسعة جدا من
التغيير.
أمسنا، كان واحة بهيجة من المشاهدات، فمع الصباح نجد الكثير من الاسر المشتركة بمنتجات (ألبان ابو غريب) قنينة الحليب عند الباب، وحين يهم رجل البيت بالخروج، فإن باص مصلحة نقل الركاب ينتظره بمواعيد محددة، ويستقبله (الجابي) بملبسه المميز
بابتسامة..
وما ان يسير الباص، حتى نشاهد الطلبة بلباسهم الموحد والسابلة الاخرين، مجتمعين فوق الرصيف، من اجل أن يعبروا الى الجهة الاخرى، فالعبور ممنوع إلا من اماكن مخصصة، وتتوالى الصور التي نلاحظها : اكشاك باعة الصحف والمجلات، عمال النظافة يقومون بواجباتهم على الارصفة، بينما الشوارع تم غسلها في ليلة الامس.
وفي أمسنا كان شارع الرشيد، شريان بغداد المركزي، ولا يسمح بمرور سيارات الاجرة (التاكسي) إلا لموديلات حديثة، وكانت حديقة الامة خلف نصب الحرية في الباب الشرقي ملاذا للاسر حيث الجداول الاصطناعية للمياه وفيها انواع البط تسبح بأمان..
وهل يصدق الاحفاد وجود مكائن تضع فيها درهما (غاب عن التداول الان) لتأتيك ما ترغب من السندويشات من خلف زجاج من دون أن تلمسه اليد، اما صالات السينما فمواعيدها دقيقة، ونظافتها تسر الروح..
في أمسنا، كانت المدارس تقدم وجبات من الطعام للطلبة مجانا، ومؤسسة المطاحن الحكومية كان لديها فرن عملاق، ينتج صمونا معجونا بالجبنة والحليب يباع بسعر بسيط في حوانيت موزعة بين الاحياء، ما الذه من طعم!.
في الامس، كان (الاورزدي باك) يوفر بضائع عالمية تصل في اليوم التالي من عرضها في مدن اوروبا، والادوية سعرها محدد، ورواتب الموظفين والمتقاعدين في ايام محددة لا تتعداها و... و.. لقد ضاع الأمس، مثلما ضاع العمر؟.