موضوع يتكرر مراراً عبثيَّة جائزة نوبل في اختيار الفائزين

بانوراما 2021/11/03
...

 إيد يونغ 
 ترجمة: مي اسماعيل 
يتهم البعض مؤسسة منح جائزة نوبل (في مجال العلوم على وجه التحديد) بأنها تشوه طبيعة المشروع العلمي وتعيد كتابة تاريخه، وتتغاضى عن العديد من أهم المساهمين فيه.
حينما تُقدّم الجائزة الى عالم أو مجموعة علماء؛ يتسلم الفائزون قيمة الجائزة بالكرون السويدي؛ لكن الأهم هنا أنهم سيحملون لقب «حائز جائزة نوبل» حتى نهاية العمر. ولكن ماذا عن باقي أفراد الفريق الذين أسهموا في إنجاز البحث العلمي؛ والذين تظهر أسماؤهم على صفحاته؟، يقول عالم الفيزياء الفلكية «مارتن ريس»: «يتسبب رفض لجنة منح جائزة نوبل لتقديم تكريم جماعي بالكثير من المشكلات المتكررة، ويعطي انطباعا مضللا عن كيفية إجراء البحوث العلمية فعليا». 
هذا الامتناع أمر مألوف؛ فحينما تُمنح جائزة نوبل أواخر كل عام في مجالات الفيزياء والكيمياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب؛ يلاحظ النقاد أنها طريقة سخيفة عفا عليها الزمن للاعتراف بالعلماء لعملهم. وبدلا من توقير العلم؛ يقوم (مانحو الجائزة) بتشويه طبيعته وإعادة كتابة تاريخه والتغاضي عن الكثير من المساهمين المهمين فيه. هناك بالطبع نواحٍ جيدة لجائزة نوبل؛ إذ يجب الاعتراف بالمكتشفات العلمية لدورها الحيوي في المشروع البشري. لقد بات موقع جائزة نوبل كنزا تعليميا دفينا؛ يحفل بالتفاصيل التاريخية الثرية التي لا تذكر عادة في البحوث المنشورة، ومن الفظاظة الإفراط في السخرية من أي حدث يقدم للعلم عاما بعد عام نوعا من الترقب المثير الذي عادة ما يكون مخصصا لمرشحي جوائز الأوسكار. لكن حقيقة كون جوائز نوبل للعلوم طالما اجتذبت الجدال منذ الشروع بها يشير الى مشكلات عميقة الجذور داخل هيئة اختيار المرشحين للجائزة.
 
فرق علميَّة أم اكتشاف فردي؟
تم منح أول جائزة نوبل للطب في العام 1901 الى «أميل فون بيرنغ» لاكتشافه المضادات السُّميّة، في حين أنها لم تُمنح لمساعده المقرب «شيباسابورو كيتاساتو». وفاز «سيليمان واكسمان» بجائزة الطب وعلم وظائف الأعضاء لعام 1952، لاكتشافه المضاد الحيوي الستربتومايسين؛ بينما جرى تجاهل تلميذه للدراسات العليا «واكسمان ألبرت شاتز» والذي يعود له الفضل بوجود المادة الكيميائية بالفعل. كما ذهبت جائزة الكيمياء للعام 2008 إلى ثلاثة باحثين لاكتشافهم بروتين الفلورسنت الأخضر (GFP)، وهو جزيء يستخدمه العلماء الآخرون عادة لأجل تصور ما يجري داخل خلايانا. لكن «دوجلاس براشر»، الرجل الذي استنسخ جين بروتين الفلورسنت الأخضر لأول مرة لم يكن من بين العلماء المرشحين. فإذا كانت مخالفة قواعد منح الجائزة قد وصلت الى هذا المستوى؛ فلماذا لا تجري مراجعة ذلك؟ لقد احتج البعض على حرمانهم من جائزة نالها زملاؤهم وشركاؤهم في العمل؛ كما فعل «راي داماديان» سنة 2003 حين نشر سلسلة من الإعلانات على صفحة كاملة في جرائد نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز، احتجاجا على حرمانه من جائزة نوبل في الطب لدوره في اختراع التصوير بالرنين المغناطيسي. ووصف داماديان تجاهل لجنة منح الجائزة لعمله بأنه.. «خطأٌ مخزٍ يجب إصلاحه». 
تكمن المشكلة الأوسع في تقرير الهيئة المشرفة في من يجب أن ينال الجائزة ومن لا ينالها؛ أن اللجنة تمنح جوائز للأفراد (ثلاثة كحد أعلى) لكل من الفروع العلمية سنويا. لكن العلوم الحديثة (كما يصفها نقاد البحث العلمي) هي ..»رياضة الفرق الأكثر تشاركية».. نعم، قد يحقق الباحثون أحيانا اكتشافات فردية؛ لكن هذا الأمر بات في ندرة متزايدة. وحتى ضمن مجموعة بحثية واحدة يعمل فريق من أساتذة ما بعد الدكتوراه والطلبة والفنيين معا لإنجاز اكتشاف يرتبط عادة باسم باحث واحد. وكثيرا ما تشترك عدة مجاميع لإنجاز مشروع واحد. وقد يصل عدد الصفحات التي تذكر أسماء العاملين الى ثلاثة، وعدد المشاركين ببعض المشاريع الى نحو خمسة آلاف.  
يقول المدافعون عن الجائزة إن اللجنة محكومة بشروط وصية «ألفريد نوبل» (مؤسس الجائزة- المترجمة)؛ أي- الوثيقة التي أسست الجوائز. لكن الوصية تدعو لمنح الجائزة اعترافا.. «بالشخص» (منفردا) الذي قام باكتشاف مهم ضمن مجال عمله.. «خلال العام الماضي». وعلى النقيض تعترف لجنة نوبل بثلاثة أشخاص لعمل ما قد يكون منجَزا قبل عقود.. فإذا كانوا بالفعل يغيرون القواعد الأصلية لمنح الجائزة؛ فلماذا لا يجري الاستمرار بذلك؟  
 
 
 
جائزة نوبل.. تخطئ وتُصيب
يبدو أن جدلية اختيار المرشحين لنيل جائزة نوبل شملت جميع الفئات وغطت مرحلة زمنية طويلة؛ إذ كتب «دونالد فليمنغ» مقالة عن الموضوع ذاته في عدد مجلة «ذا أتلانتك» الصادر في تشرين الأول من العام 1966؛ قائلا: «نظرا للمهمة المستحيلة المتمثلة في مكافأة أشخاص على إنجاز ما، لم يكتشف أحد كيفية تنفيذه بعد؛ فقد برَّأ النرويجيون أنفسهم بشكل مشهود».. ومضى كاتب المقال متسائلا: «ما الذي يجمع كلا من- تولستوي وتشيخوف وغوركي وإبسن وستريندبرغ وزولا وبروست وكافكا وريلكه وبريشت وكروس وهاردي وهنري جيمس ومارك توين وجوزيف كونراد وجيمس جويس ولورانس ولوركا؟».. حسناً، نحن نعرف ما الذي يجمعهم معا؛ لكنهم جميعا كانوا أحياء حينما بدأ توزيع جائزة نوبل للآداب، ولم ينالوا حظ الفوز بها. لكن أدباء مثل- سولي برودوم وخوسيه إتشيغاري ورودولف يوكين وغيرهم فازوا بها. لم يفز «مندليف» واضع الجدول الدوري ولا «ويلارد جيبس» دارس التحولات الطورية بجائزة الكيمياء، ولم يفز «غاندي» بجائزة نوبل للسلام.. وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى.. ومع كل ذلك، وعلى الرغم من إغفالات عجيبة وجوائز مشكوك فيها؛ لم يخفت بريق جوائز نوبل باعتبارها أكثر اعترافا لامعا بالذكاء الذي يمكن أن يناله رجل أو امرأة في القرن العشرين. فلماذا استقطبت تلك الجائزة اهتمام القرن العشرين كما لم تفعل غيرها؟ ولعل الجواب أنها تعكس وتلخص بعض التحولات التاريخية الرئيسة للعصر، وأكثر من ذلك.. أن تجسد التوترات النفسية التي يُحدثها التغيير التاريخي العميق». 
المفارقة الكبيرة الأخرى التي خدمتها الجوائز هي المكانة المتزايدة سريعا للعلم والتكنولوجيا في عصر العلمنة؛ رغم أنها حقبة تتشبث بشدة بمُثُل خدمة الإنسانية باعتبارها الأثر الرصين للتعاطف البشري والحصن الوحيد ضد إساءة استخدام العلم نفسه. لقد تم تكريس جوائز نوبل ضمنيا لعقول القرن العشرين، من خلال الارتباط بين خدمة الإنسانية وتقدم العلم».
 
سلسلة من الإحباطات
لقد أسهمت بعض الشروط والمحددات التي وضعها ألفريد نوبل في تضييق خانة الترشيح للجوائز؛ فالأعمال الأدبية لا بد أن تكون (مثالية) للتأهل؛ والعلوم تعني اكتشافا أو اختراعا أو تحسينا، مع تضييق تعريف (الاكتشاف) لكي يعني اقترانه بالمصطلحات الأخرى؛ وأن «تُقدّم جميع الجوائز لأعمال أُنتجت خلال العام الماضي»، وفق نص وثيقة الترشيح. ووضع بعض أقارب نوبل شروطا أخرى للجائزة؛ منها أنه لا يجوز اشتراك أكثر من ثلاثة أشخاص في الجائزة الواحدة، وأنه لا يجوز منحها لشخص ميت ما لم يكن قد رُشّح لها خلال حياته. وكانت الجائزة قد واجهت صراعات القرن العشرين وحربين عالميتين، وكان عدد الأخطاء الفادحة في منح الجائزة صغير للغاية؛ إذ كان من غير المعقول تكريم الرئيس الأميركي الأسبق «ثيودور روزفلت» كرجل سلام عام 1906؛ الذي وصف بالعدوانية، حتى لو كان بمثابة وسيط لإنهاء الحرب الروسية اليابانية. وكان ترشيح «رودولف أوكن» الفيلسوف المنسي بجدارة، والذي لم يكن مهما مطلقا؛ اختيارا فاضحا في الأدب. ويتفق كثيرون أن لحظة تكريم الأديب «جون شتاينبك» (وهو في قمة شهرته) قد تأخرت بنحو عشرين سنة، كما يبدو أن جائزة واحدة فقط مُنِحت بسبب الجهل المطلق بالحقائق؛ حينما نال «جون جيمس ريكارد مكليود» نصف الجائزة الممنوحة للسير «فريدريك بانتينج» مكتشف الأنسولين؛ لكن مساهمته الوحيدة تمثلت في توفير مساحة المختبر وإعطاء بعض النصائح العامة لبانتينج».
«رغم الجدليات الكبيرة التي صاحبت اختيار المرشحين ومنح جوائز نوبل؛ غالبا ما يُثار التساؤل: ما هو الفرق الذي أحدثه كل ذلك لباقي أفراد الجنس البشري؟ وما هي حسنات ومضار جائزة نوبل تجاه المجتمع؟، من الأهداف الرئيسة التي كان «نوبل» يتطلع إليها هو الحد من المنظور القومي، عبر التركيز على المساهمة في المجتمع العالمي.
 على نطاق أوسع وبشكل أقل تركيزا؛ منحت جوائز نوبل رؤية دولية فريدة لرجال ونساء من جنسيات عديدة، وتسهيل مسيرتهم ليسهموا مجددا وأكثر في المسيرة البشرية، وتذكيرا سنويا لكل دولة بمديونتها للآخرين.. لعل آثار هذا التصور غير محسوسة؛ لكن لا ينبغي التقليل من شأنها».
عن موقع «ذا أتلانتك»