وداعاً اسطورة الغناء العربي .. صباح فخري
الصفحة الاخيرة
2021/11/03
+A
-A
دمشق: رنيم محمد
توفي المطرب السوري صباح فخري أشهر من غنى القدود الحلبية والموشحات، صباح أمس الثلاثاء عن عمر يناهز 88 عاما بعدما "توقف قلبه عن النبض"، على ما قالت عائلته.
وقال نجله أنس فخري: "لقد توفي في دمشق وفاة طبيعية، توقف قلبه عن النبض وغادرنا".
وأضاف "في قلوبنا حزن كبير. لا أعرف ماذا أقول، إنها خسارة كبيرة للفن السوري". وشدد على أن الراحل "عاش كأسطورة حية والاسطورة لا تموت، وسيبقى أسطورة حلب وسوريا".
وقد نعت نقابة الفنانين- فرع دمشق أيضا "الفنان القدير"، مشيرة إلى أنها ستعلن لاحقاً تفاصيل الدفن والتشييع.
واشتهر صباح فخري المولود العام 1933 في مدينة حلب بتأدية الموشحات والقدود الحلبية. وكان الفنان القصير القامة، معروفا بوصلاته الفنية الطويلة على المسرح.
وحقق فخري الرقم القياسي في الغناء عندما غنى في العاصمة الفنزويلية مدة عشر ساعات من دون انقطاع العام 1968 على ما أوردت وكالة الانباء السورية (سانا).
الولادة والنشأة
ولد صباح فخري واسمه الحقيقي صباح أبو قوس في مدينة حلب في الـ 2 من أيار عام 1933 وكان أبوه رجل دين يعلم القرآن الكريم وتجويده وصاحب طرق صوفية حيث احتفى بابنه الذي أتقن قراءة القرآن في السادسة من العمر ليعلمه الإنشاد الديني في حلقات الذكر والزوايا الصوفية وعندما بلغ العاشرة اكتسب من أصدقاء أبيه مثل عمر البطش ومصطفى الطراب وصبحي الحرير وبكري الكردي كل شيء من علوم النغمات والأوزان.
وفي سن الثانية عشرة غنى صباح فخري أول موشح خاص فيه وهو (يا هلالا غاب عني واحتجب) ثم اتصل بالشيخ علي الدرويش وبولديه إبراهيم ونديم اللذين لحنا له بعض الأغنيات وعلماه عزف العود ثم رافق عازف الكمان سامي الشوا في حفلاته في حلب وغيرها من المدن السورية وهنالك تعرف عليه فخري البارودي الذي بهره غناؤه فتبناه فنياً وجعله يلتحق بالمعهد الموسيقي الشرقي.
وفي المعهد درس على يد عمر البطش وعزيز غنام ومجدي العقيلي وتعلم منهم الإيقاعات والموشحات ورقص السماح وفن غناء القصيدة الأصولي والأدوار والنظريات الموسيقية والإلقاء الغنائي بواسطة الصولفيج والمقامات وأساليب الانتقال في ما بينها ليتلقاه الملحنون فور تخرجه ويقدموا له أغاني صافح الجمهور من خلالها وعرفهم على مطرب ناشئ لكنه عظيم اسمه صباح فخري بعد أنْ تكنى باسم متبنيه الذي حباه بعطفه ورعايته.
بدايته الجديدة
وعندما عاد صباح فخري إلى حلب درس في المعهد العربي الإسلامي الذي حصل من خلاله على شهادتي المرحلة الإعدادية والثانوية وفكر باعتزال الفن والتفرغ للعمل التجاري ولكن حبه للموسيقى وانتشار أغانيه وعالم النجومية دفعه ليعود إلى الغناء فكانت بدايته الجديدة عبر شاشة التلفزيون العربي السوري من خلال برنامج الموسيقا العربية سنة 1961 الذي كان يعده ويخرجه الراحل جميل ولاية فغنى دور (أصل الغرام نظرة) لمحمد عثمان وقصيدة (قل للمليحة) من ألحانه.
دفع هذا النجاح صباح فخري إلى تقديم وصلات غنائية من عيون التراث فقدم (يا مال الشام ويا طيرة طيري) لأبي خليل القباني معيداً لهما بريقهما وألقهما ثم انبرى لتراث الشيخ عبد الرحيم المسلوب وسيد درويش ومحمد عثمان وعمر البطش وزكريا أحمد وأمين الجندي يغرف منهم من دون ارتواء ليطفئ به ظمأ الجماهير التي تميل إلى الغناء التراثي.
بداية التمثيل
وبعد أن شارك تمثيلاً وغناء في فيلم الصعاليك مع الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي وفي مسلسل (الوادي الكبير) أمام الراحلة وردة الجزائرية سعت إليه النجومية فانهالت عليه الدعوات من جميع الدول العربية ثم غنى لأبناء المهجر في استراليا والأميركيتين حيث منحته مدينتا ميامي وديترويت مفتاحيهما تقديراً منهما لفنه وأقيم له حفل تكريمي في قاعة روس بمدينة لوس أنجليس وكرمته كلية الفنون بجامعة كاليفورنيا.
وفي أوروبا غنى صباح في قاعة نوبل للسلام باستوكهولم وفي قصر المؤتمرات بمدينة باريس وقاعة بتهوفن في مدينة بون وافتتح مهرجان الموسيقى الشرقية في مدينة نانتير الفرنسية وكذلك دعي في انكلترا للغناء وإلقاء محاضرات عن الموسيقى والآلات الشرقية.
مناصب عدة
وشغل صباح فخري في مسيرته الفنية مناصب عدة فانتخب نقيباً للفنانين ونائباً لرئيس اتحاد الفنانين العرب ومديراً لمهرجان الأغنية السورية وضرب الرقم القياسي في الغناء عندما غنى في مدينة كاراكاس بفنزويلا مدة 10 ساعات دون انقطاع سنة 1968 وذكرت اسمه موسوعة مايكروسوفت كأحد رموز الغناء العربي والشرقي.
أما الأوسمة والتكريمات التي نالها صباح فهي كثيرة ومن أعلى المستويات بدءاً من وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة ووسام تونس الثقافي ووسام التكريم من سلطنة عمان وجائزة الغناء العربي من الإمارات وجائزة مهرجان القاهرة الدولي للأغنية والجائزة التقديرية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وأسس محبوه في مصر جمعية فنية باسمه سنة 1997.
زواجه وأبناؤه
تزوج الفنان فخري مرّتين، الزوجة الأولى أنجبت له ثلاثة أولاد (محمد وعمر وطريف) وتوفيت. أما زوجته الثانية فأنجبت له إبناً واحد هو المطرب أنس صباح فخري.
وأصبح صباح فخري واحداً من أعلام الغناء العربي والعالم واُشتهر في السجلات العالمية للمطربين كواحدٍ من أهم مطربي الشرق، حيث لحّن وغنّى العديد من القصائد العربية للشعراء أبي الطيب المتنبي، أبو فراس الحمَداني، مسكين الدارمي، ابن الفارض والروّاس، ابن زيدون، ابن زهر الأندلسي، لسان الدين الخطيب.
كما لحّن وغنى لشعراء معاصرين مثل: فؤاد اليازجي، أنطوان شعراوي، د. جلال الدهّان، د.عبد العزيز محي الدين الخوجة، عبد الباسط الصوفي، عبد الرحيم محمود، فيض الله الغادرين، عبد الكريم الحيدري، وللفنان صباح فخري خمس أسطوانات كبيرة، وعشرين كاسيت صوت بمدّة ساعة لكل منها، من أعماله الأكثر شعبية، مثل "مالك يا حلوة مالك" و"خمرة الحب اسقنيها" و"قدك المياس"، و"يا طيرة طيري يا حمامة"، و"آه يا حلو"، من التراث والفلكلور السوري.
دخل موسوعة غينيس
وأحيا الفنان العديد من الحفلات في الدول العربية والمدن الأجنبية، وحصد الكثير من الألقاب والجوائز والأوسمة حتى أنشأت مصر جمعية فنية باسمه.
ورغم إعلانه أنه سيعتزل الغناء إذا ضاع صوته منه عام 2010 لاحقه التكريم تقديراً لعطائه المتميز، كما دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية في أطول مدة غناء متواصلة.
وكان الفنان صباح فخري بدأ الغناء في الإذاعة السورية عام 1948، حيث اشتهر بصوته الرخيم وغنائه اللون الطربي الأصيل.
وعلى رغم نجاحه الفني، إلا أن الفنان قرر مواصلة دراسته، فدرس المرحلة الثانوية في المعهد العربي الإسلامي في حلب، وتخرّج منه في عام 1952، حاصلاً على شهادة تأهيل للتّدريس، وقد عمل فعلاً مدرّساً في عام 1953.
347 عملاً غنائياً
حصيلة صباح فخري الفنية وثق لها كتاب للباحث التونسي إلياس بودن مبيناً أنها تحتوي 347 عملاً غنائياً منها 110 من الطرب القديم التي لا يعرف لها ملحن و66 عملاً لحنها وغناها صباح وتشمل موالات وقصائد وموشحات وطقاطيق كما غنى من ألحان غيره نحو 87 موشحاً لملحنين سوريين ومصريين وروي عنه أنه يحفظ أربع سفن (دفاتر) حيث تحتوي كل سفينة على ألف موشح.
وتختزل مسيرة صباح فخري تراثاً ضارباً في العراقة يحمل من روح الأندلس وإبداع أبناء حلب وتماهي الإنسان مع هذا الإرث وقدرته ليس على صونه والحفاظ عليه فحسب بل على تطويره وتقديمه بشكل يستهوي جمهور اليوم والغد.
وكرم مؤخراً من قبل منظمة طلائع البعث في دار الأوبرا لدوره في إغناء التراث الغنائي العربي والسوري الأصيل.
أشهر أغنياته وأفلامه
قل للمليحة- قدك المياس- سكابا يا دموع العين-يا مال الشام- يا طيره طيري- خمرة الحب- جاءت معذبتي- صيد العصاري- سيبوني يا ناس- حبيبي على الدنيا- العذوبية- هيمتني- فوق إلنا خل- الحب زمان- ما لك يا حلوة- اللؤلؤ المنضود-يا هويدلك- عالروزانا- عطفاً أيا جيرة الحرم- جاني حبيبي- بيني وبينك- عالصالحية- عالهيلة الهيلة الهيلة- بالذي أسكر- في الروض أنا شفت الجميل- يا ذي القوام السمهري.
من أعماله السينمائية فيلم "الوادي الكبير" مع المطربة وردة الجزائرية. كما شارك في فيلم "الصعاليك" عام 1965 مع عددٍ من الممثلين مثل دريد لحام ومريم فخر الدين.
من برامجه التلفزيونية "أسماء الله الحسنى" مع عبد الرحمن آل رشي ومنى واصف وزيناتي قدسية، ومسلسل "نغم الأمس" مع رفيق سبيعي وصباح الجزائري، حيث سجل ووثق ما يقارب 160 لحناً ما بين أغنية وقصيدة ودور وموشح وموال، وقدود، حفاظاً على التراث الموسيقي العربي الذي تنفرد فيه حلب.