الدول الفقيرة وتصنيع احتياجاتها اللقاحيَّة

بانوراما 2021/11/04
...

 تشارو سودان كاستوري
 ترجمة: بهاء سلمان
من الممكن أن تكون أسماء اللقاح إيحائية، فحينما كشفت روسيا عن لقاحها المضاد لكوفيد - 19 العام الماضي قبل استكمال التجارب النهائية التامة، سيطر على سباقها التنافسي لتكون الأولى ماهية تسمية اللقاح، وهو {سبوتنك خمسة}، وهو اسم برنامج الفضاء أثناء مرحلة الحرب الباردة عندما كانت موسكو تتصدر السباق، متفوقة على أميركا.
 
اليوم، ومع بحث حثيث للدول حول العالم عن جرعات اللقاح، تستعد كوبا لإنتاج لقاحاتها الخاصة بها المضادة لكورونا؛ أحدها سمي {سوبيرنا}، ومعناه {السيادة}. تروي هذه الأسماء حكاية كيف أن القصة العالمية للقاحات الخاصة بكوفيد - 19 قد تحوّلت من طموحات بعض الدول المصنّعة للقاح إلى تلهف شديد للكثير من الدول الأخرى في الكوكب.
وشرعت الولايات المتحدة حاليا بمفاوضات مع منظمة التجارة العالمية لاستكشاف سبل تجعل توزيع اللقاحات أكثر إنصافا. إلا أنها كبلاد تحتضن أغلب الشركات المطوّرة للقاح في العالم، مثل فايزر وموديرنا وغيرها، تبقى ترفض لغاية الآن مشاركة لقاحاتها الفائضة مع الدول الأخرى. 
في الوقت نفسه، قاومت أميركا الدعوات المطالبة بتخفيف قوانين براءة الاختراع لأجل السماح للدول الأكثر فقرا بتصنيع نسخ أقل تكلفة من اللقاحات لمصلحتها. 
وشأنها شأن الولايات المتّحدة، أوضحت أوروبا أيضا موقفها من أنها ستعمل على مشاركة اللقاحات فقط بعدما يتم تلقيح جميع سكان القارة العجوز.
أما الهند، التي تعمل على تصدير عشرات ملايين اللقاحات إلى أفريقيا والبرازيل ودول نامية أخرى، تعمل حاليا على تغيير سلوكها، فمع مواجهتها لأزمة طاحنة بتفشي فيروس كورونا داخل البلد، تم تقليص التصدير بشكل كبير، ليتدنى إلى مستويات بسيطة للغاية.
مخاوف سابقة
جميع هذه الأحوال تثير شرارة انطلاق حركة موازية التي من الممكن أن تقلب اقتصاديات اللقاح العالمية، فالدول النامية، ومع شعورها بالإحباط بسبب عدم الإنصاف بطريقة توزيع اللقاحات، تخطط لمستقبل لن تكون فيه معتمدة كثيرا على الآخرين للحصول على الجرعات، فهم يريدون تحقيق {السيادة اللقاحية}.
خلال الأشهر السابقة، كانت حصة أفريقيا من جرعات اللقاح المضاد لكورونا الموزعة عالميا لا تتعدى الاثنين بالمئة، رغم أن القارة يقطنها أكثر من 15 بالمئة من سكان العالم. 
وقام الاتحاد الافريقي بعقد اجتماع قبل عدة أسابيع، معلنا نيّته إنشاء خمسة منشآت لتصنيع اللقاحات ضمن أجزاء مختلفة من القارة السمراء، بهدف إنتاج ستين بالمئة من احتياجات أفريقيا من اللقاح على مدى العشرين سنة الماضية.
لدى القارة الأفريقية تقليد الشك والريبة تجاه الأدوية واللقاحات الغربية المنشأ، متجذرة من ممارسات الفحوص العنصرية والتمييزية الممارسة من قبل كبار شركات الأدوية داخل أفريقيا في سنوات سابقة، التي أدت أحيانا إلى حالات وفاة. 
وبإمكان اللقاحات الأفريقية التصنيع المساعدة بتخفيف بعض الآراء المشككة التي تعمل حاليا على إعاقة تقبل الناس للقاحات.
أما في أميركا اللاتينية، فتتعاون المكسيك والأرجنتين على تكوين ائتلاف تصنيعي من الذي سيعمل على توظيف قدرات البلدين المشتركة لإنتاج اللقاح ضمن المنطقة. وتختبر كوبا خمسة لقاحات يجري إنتاجها محليا، دخل اثنان منها المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية، بضمنها لقاح سوبيرنا. 
ولدى المكسيك والأرجنتين وفنزويلا اهتمام بالمساعدة على تصنيع اللقاحات الكوبية.
يعمل هذا الطلب المتزايد من الاعتماد الذاتي لتوفير اللقاحات على التأثير في دبلوماسية اللقاح أيضا. 
فالصين، التي صدّرت غالبية لقاحات الكورونا، تدرك هذه النزعة، وكانت قد وعدت خلال شهر كانون الثاني الماضي بتقديم المساعدة إلى اندونيسيا لجعلها محورا لإنتاج اللقاح، حتى مع استمرار بكين بتزويد جرعاتها إلى دول جنوب شرق آسيا.
 
تنافس مرير
ما نراه من لقاحات اليوم يعكس الجدل الدائر منذ العام الماضي حول الهيمنة التصديرية للصين. 
من ثم، مع تزايد الانتقاد لبكين، سعت الولايات المتحدة واليابان والهند ودول أخرى إلى دفع شركاتها لنقل المصانع من الصين إلى الديار، موظفة مزيجا من الحوافز والتهديدات. 
حاليا، وبعد مضي سنة، أطلقت قيود حلقة تجهيز مختلفة شرارة التوجه نحو السيادة اللقاحية، وبضمنها لقاح كورونا.
ولأجل التأكد، لن تتمكن غالبية الدول من تأسيس مصانع عملاقة للقاحات من التي ستمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي. وإذا ما بقيت الصيغة التكوينية للقاحات متركّزة بيد عدد قليل من كبار شركات الأدوية، وكما هو الحال عليه حاليا، ستستمر براءات الاختراع بإبقاء اللقاحات عالية التكلفة بالنسبة للعديد من الدول.
لكن إذا عملت كل منطقة، حتى ليس كل دولة، على تطوير قدراتها للإيفاء باحتياجها من اللقاح عبر جرعات مصنعة محلية، سيكون توزيع اللقاحات أسرع للجائحات المستقبلية. ويشير منطق قوة الاقتصاد إلى أنه حينما ستزداد قدرات الدول التي ستؤسس لوحدات تصنيعية فاعلة داخل بلدانها، ستميل لاحقا إلى أن تصير من المصدرين للقاح. 
وتمثل الهند حاليا مثالا مسبقا لهذه الحالة.
هكذا، ربما سيتم تصنيع لقاحات العالم في دول تشيّد حلقات تجهيز، وتوفر تكاليف إنتاج متدنية لشركات 
الأدوية. 
الأمر يشابه تصنيع هاتف الآيفون خاصتك، فهو من المرجح أن يكون صيني المنشأ، والملابس ذات العلامة المشهورة، تصنّع في بنغلاديش، كذلك من المحتمل أن يكون لقاح موديرنا أو فايزر مصنعا في رواندا أو اندونيسيا أو المكسيك خلال عقدين من الآن.
هذا الأمر سيعطل بشكل أساسي مصلحة تصنيع اللقاحات الأميركية، التي تطوّر مئات الملايين من جرعات للقاحات شهريا؛ وستتمكن الشركات من تصنيع اللقاحات بأسعار أقل داخل آسيا أو أفريقيا أو أميركا 
اللاتينية. 
لاحقا قد يوجه رجال السياسة بإتهام الصين أو المكسيك أو الدول الأفريقية بسرقة الوظائف الأميركية. لكن اللوم سيبقى بشكل مباشر على الغرب وحالة قصر النظر الذاتية لديه، والتي أرغمت الدول الأفقر على تأسيس وتشييد قدراتها التصنيعية الخاصة بها لإنتاج اللقاحات.