غلاسكو ومؤتمر الخوف.. المناخ والكاربون وحافات العالم

منصة 2021/11/04
...

 علي حسن الفواز
العالم عند حافة الهاوية. هذا ليس توصيفا، بقدر ماهو «واقع» قابل للتفجّر، حيث سيكون «المناخ» وتغيراته، وارتفاع نسب الكاربون فيه، مصادر لتغيير توازنات الارض، وتعريض سكانها الى كوارث ومشكلات بيئية وصحية خطيرة. 
 
اجتماع مدينة غلاسكو في اسكتلندا الذي انعقدت اعماله أمس الاول، وبمشاركة دول ومجموعات ومنظمات موقعة على «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ» يكشف عن خطورة ذلك الواقع، وعن امكانية البحث عن معالجات لتداعياته، وعن اجراءات حمائية للحفاظ على حدود معقولة للاحتباس الحراري، وعند اقل من 2 درجة مئوية، لأن زيادة نسب انبعاث الكاربون ومشتقاته، بسبب التلوث البيئي سيكون سببا في كثير من الكوارث، التي ستهدد مناطق أكثر هشاشة في الارض ذات التغيّر المناخي، ومن أكثرها تأثّرا  دول الشرق الاوسط التي قد تتعرض الى تعقيدات بيئية كثيرة، لأنها تعيش صراعات معقدة، وحروبا تستجلب معها تلوثات كثيرة تزيد من حجم الانبعاث الكاربوني في اجواء مدنها.  اجتماع  190 دولة ومجموعة يتطلب اجراءات حاسمة، فبقطع النظر عن طبيعة المصالح والسياسات، فإن التحديات تدفع باتجاه وضع الجميع امام «رعب المستقبل» وأمام قضايا  لا تحتاج الى «البرغماتية» التي تعودت عليها الدول الكبرى، أو التي تهاونت فيها الدول الأخرى، فما يجري الان وسط تضخم الحروب، وغلو التسلح، والبحث عن مشاجب نوويَّة يجعل  الارض أكثر عرضة للتسخين، وللتغيرات المناخية التي ستجعل الجميع متورطين في «حروب» ليس لأحدٍ القدرة في السيطرة عليها.
 
التلوث والأسلحة والطاقة
توسيع دائرة الحروب والتسلح، وزيادة استخدام أنظمة النقل والطاقة التقليدية، وصولا الى المغالاة في الاستخدامات الكيمياوية والنووية للطاقة، وتضخيم الترسانات العسكرية، سيكون هو «المسكوت عنه» في هذا المؤتمر، إذ سيجد المجتمعون انفسهم أمام مشكلة الاعتراف، والخوض في جدل وسجال ليسا بعيدين عن المصالح السياسية والعسكرية، فهم لا يثقون بعضهم بالبعض الآخر، وهو ما يجعل مستوى التهديد في شرق جنوب وغرب اسيا مماثلا للتهديد في شرق اوربا، لا سيما مع تحوّل ازمة اوكرانيا، والغاز الروسي والصراع في بحر البطليق الى بيئة تزيد من حجم التحديات الكبرى، ومن «ترسنة» الارض وعسكرتها، عبر نصب الصواريخ متوسطة المدى في اوروبا، وعبر التهديد الروسي باجراءات مضادة، فضلا عما يجري من تغيرات جيوسياسية في مناطق عدة، وعبر حدود ملتهبة دائمة في اذربيجان وايران وافغانستان وتركيا وكوريا الشمالية. 
لكن ما يثير الاستغراب في هذا المؤتمر، هو غياب الرئيس الصيني التي بعث بكلمة فيديوية للمجتمعين، رغم انها طرف مهم في  صراعات «الانبعاث الحراري»، وفي تعقيداته، وكذلك غياب الرئيس الروسي عن الاجتماع ايضا، رغم ان الشركة الروسية المعروفة «غازبروم» محسوبة من ضمن الجهات المسؤولة عن اسباب الاحتباس الحراري.
إن ما يجري من تغيرات باتت تهدد الارض، تضع الجميع أمام خيارات صعبة، اولها التخلص من عقدة «القوة العشوائية» التي تدفع البعض للهيمنة على الجغرافيا والسياسة والامن العالمي، وثانيهما اعادة النظر بسياسات الحروب العشوائية، وطبيعة اسواق السلاح المغذية لها، وثالثهما العمل على تقليل حركة اساطيل الدول الكبرى وتجاربها العسكرية، التي تسخدم عادة مستويات عالية من الطاقة، ورابعهما مساعدة الدول العالمثالية على شراء «الطاقة النظيفة» بدلا من شراء الاسلحة، وعبر برامج واتفاقات غير خاضعة للمزايدات السياسية، وخامسهما الالتزام الآمن بكل الاتفاقيات التي تخص المناخ، بدءا من الموافقة على اتفاقات الامم المتحدة، وانتهاء بالعمل المشترك على تقليل انبعاث غاز الميثان المصاحب لعمليات استخراج، ومن مخلفات المركبات العضوية، وهو ما يعني التوافق على ايجاد سياسات متوازنة لمواجهة الاخطار البيئة التي تهدد الارض، وأحسب أن ماشهدته اوروبا واستراليا ودول اسيوية اخرى من فيضانات واعاصير وحرائق لغاباتها، تكشف عن الاخطار المتحملة التي تعمل على ارتفاع درجة حرارة الارض، وتحويلها الى بركان قابل للانفجار.
 
الرأسماليَّة وحروب السيطرة
قد يضع البعض هذه المعطيات في سياق طبيعة «الرأسمالية» وانماط هيمنتها، والتي « تتضخم عبر 
«غلو» القوة بمعناها التدميري، والسياسي، أو بمعناها الامني والاقتصادي، والذي يُخضع العالم الى جملة من السياسات التي تقوم على اساس الاخضاع، والتبعية من جانب، وعلى مفهوم «التسويق الربح» من جانب آخر، والذي سيجعل من دول الشرق والجنوب اسواقا مفتوحة، ومجالات لتغويل الاستهلاك، بما فيه الاستهلاك التسليحي، وعبر الشركات المتعددة الجنسيات، برساميلها العملاقة، إذ تفرض «20» شركة عالمية سيطرتها على اسواق الطاقة، وعبر توجهات من الصعب أن تغيب عنها سياسات الدول، وبرامجها، والتي جعلت من العالم بيئة عرضة للتهديد دائما، فضلا عما تقوم به الولايات المتحدة من 
اجراءات، وما تتخذه من مواقف، وآخرها قرار الرئيس السابق ترامب بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، فضلا عن سياساتها التسليحية في العالم وانتشار أساطيلها التي تعمل بالطاقة النووية في المياه الدولية.
الرهان على مؤتمر غلاسكو ليس كبيرا، رغم ما يحدق بالعالم من أخطار الكبرى، لأن سياسات الدول الكبرى ما زالت متقاطعة، ومحكومة بعوامل صراعية معقدة، ولعل غياب الرئيسين الصيني والروسي عن المؤتمر دليل على هذه المواقف، ولكن ما بدأت تشعر به بعض الدول، التي تعرضت الى مشكلات خطيرة في بيئتها ستكون أكثر حماسا في ذلك، ومنها استراليا والبرازيل واسبانيا وايطاليا، والتي تعرضت الى بيئتها وغاباتها الى حرائق مدمرة، أسهمت في تقليل المساحات الخضراء، ومن ثمَّ زيادة نسب الانبعاثات الكاربونية، وحتى بريطانيا باتت تدرك خطر التهديد الكاربوني، إذ كانت تصريحات رئيس الوزراء بن جونسن تكشف عن قلق واضح، وعن توجهات تضع المشكلة البيئية في مقدمة السياسات التي ستتبناها حكومته. 
إن ما يحدث في البيئة من متغيرات مناخية، ومن زيادة غير معهودة بنسب الكاربون، سيكون سببا مثيرا للجدل حول التغيرات الغامضة، والتي ستُفضي الى ما هو اكثر رعبا، لا سيما في تغيير التوازنات التي تحمي الغلاف الجوي، وتُنظم درجات الحرارة، إذ إن أي تغيير في هذا السياق سيؤدي الى حدوث كوارث كبرى، والى اختفاء مدن، وربما دول بكاملها، لا سيما تلك التي تقع على المحيطات والبحار، لأن احتمال حدوث «تسوناميات» وارد جدا في ظل هذه المتغيرات، وهذا ما ورد في تقرير الامم المتحدة الاخير في شهر آب الماضي، والذي أكد خطورة الاوضاع المناخية، وأن ما يحدث هو غير مسبوق، ويُنذر بحدوث تلك الكوارث.
تغيير السياسات قد يكون مدخلا لإعادة صياغة مفهوم التحدي، 
ولتبني ستراتيجيات متوازنة، في مجال الطاقة، والتسليح، وانبعاث الكاربون الميثاني، فضلا عن العمل على مساعدة الدول الفقيرة، التي 
تعيش تداعيات التحدي، فضلا عن 
دعم برامج واسعة لسياسات الطاقة، لا سيما في تلك الدول، بالاتجاه الذي يخلق بيئة مناسبة واستعدادات تكفل المشاركة والتمكين، بعيدا عن خيار الحروب وتضخيم اسواقها وجماعاتها.