مكابدات باعة الخواتم والمسبحات في سوق الهرج

استراحة 2021/11/06
...

 بغداد: قاسم موزان 
 
سوق الهرج المهملة في الميدان لم تمتد اليها يد التحديث والتجديد ولواجهتها المتساقطة على عجل، بوصفها سوقا تراثية فيها عمق ماض باذخ في الجمال البغدادي الاصيل، كل شيء فيها متهالك وآيل للزوال بفعل عوامل الزمن، الا من بعض التغييرات الخجولة وسط الخراب، اختصت هذه السوق ببيع المواد العتيقة وتصليح الاشياء والملابس المستعملة، تراها ساكنة في ايام الاسبوع الاعتيادية، الا في صباح الجمعة، اذ تعج هذه السوق بأعداد غفيرة من باعة الخواتم الفضية بفصوص ملونة، بعضهم أثقلت اصابعهم بمجموعة من المحابس، وآخرون امتلأت اذرعهم بالمسبحات الغالية على اختلاف الوانها واشكالها، فمنها الغالي والاخر الرخيص وافترش البعض الأرض لبيع الاحجار المختلفة، التي تسمى الكريمة.
فهذه للرزق وتلك لصد عيون الحاسدين واخرى للتعيين، هؤلاء الباعة انتشروا بفوضى على جانبي الطريق الضيق المرصوف بالحجارة وتشق طرفيه ساقية صغيرة لمجرى المياه، ويصعب على المرء ان يشق دربه الى مبتغاه الاخر من فرط الازدحام وتكدس المتفرجين، لقياس هذا الخاتم او ذاك، ويأخذ البائع بسرد قيمة الخاتم بكلمات مكررة، الا ان المشتري المفترض يغادر البائع، حتى من دون أن يسأله عن سعره، وشخص آخر ينتزع مسبحة فضية من ذراع بائعها ليقلب حباتها الفضية الانيقة بانتشاء ويشيد بجمالها ودقة صنعها، ويسأل عن ثمنها ثم يعيدها الى مكانها بصمت. وبمرور الوقت، يبدأ تذمر البائعين من قلة او عدم البيع لسلعهم المعروضة، رجل يتحدث مع اخر وكلاهما يبيعان الخواتم، انها مهنة لم تعد ذات فائدة وقال بلغة الاقتصاديين المعروض السلعي الكبير، يقلل من الاقبال على الشراء، ورد عليه إنها سوق العرض والطلب وبضاعتنا تجدها في أسواق منافسة اخرى. بعد أن تعب بائع المسبحات الرخيصة من الوقوف بانتظار رزقه، جلس في المقهى الصغير القابع في زقاق أسن لبيع ملابس البالات، وقال لإبنه لم تعد هناك جدوى من القدوم الى السوق، ولا حل الا البحث عن مهنة اخرى تسد رمقنا، هز الطفل بالايجاب وانصرفا بألم .