علي الشباني.. صوت الشاعر النقيض

ثقافة شعبية 2021/11/06
...

 سعد صاحب 
منذ أن قلب مظفر النواب الطاولة بوجه الحواس، وغير فاعليتها الحياتية بشكل مثير، بقصيدته الشهيرة (نهران اهلنه) التي يقول فيها (سمعنه العسل بشفافه) في حين كان من المفترض، حضور حاسة الذوق في هذه الصورة الناضجة، لكنه جعلنا نستمع الى دبيب العسل، وجريانه بين الشفاه الريانة الغضة، لا أن نتذوقه كالمعتاد، وهنا يكمن الخلق الشعري العظيم، وسار الشعراء على طريقته في التشويش وتغريب الاشياء ومشاكسة الثوابت، فها هي (الگذله) تصهل والجرح يزغرد عند علي الشباني، والنجوم تمطر وتغسل احزان القلوب المنكسرة.
 
شهگ وتلاگن الشبگات 
جرح هلهل صهيل الگذله المعرسه بضوه الچيلات 
عت روحه واجت كل نجمه سهرانه 
عتبها امغامز وحسرات 
نث نث يا نجم واغسل حزن ما مات. 
خيول
 
المهر في قصيدة الشباني ليس مميزا في صفة ما، او ينتمي لسلالة نادرة الوجود، ربما عاش يسحب عربة للنفط، او يستخدم لحمل البضائع الثقيلة، او يتسابق في ساحة كثيرة الكبوات، او انه مثل سائسه الجائع ينام بلا عشاء. 
هذا الحصان المطرود من حظيرة الخيول الاصيلة، حينما تأتي اللحظة التاريخية الكبرى، لم يجبن او يتكاسل او ينسحب من الميدان، ويصهل باعلى صوته معلنا بدء الكفاح، ويقتحم الموانع ولا يرمي بفارسه عند اشتداد المعركة، ولا يعود من مراده الا منتصرا، وحينها يصبح رمزا ثوريا لكل الساحات
المناوئة.
 
وانته مسافر ويا الريح 
عفيه شلون عتك موت 
وانته الكلمه عيب اطيح 
يا مهر السبح بالريح 
وبزود الشهامه تحزمه الزومات 
عيب تضيع دربك نبت خزامات 
عيب المايل يهزك زرك فالات 
يمسافر چذب غير العشگ بعيونك يلالي 
وغضب يضوي وكحل لعيونك الثورات.
 
غنائية
في شعره غنائية خفية محببة الى الاذن المدربة على الاستماع، هو حتى لو يكتب عن الصمت والتأمل والافكار والمعرفة، وعن معاناة الذات الانسانية بصورة شاملة، لا يغادر هذا الجرس الموسيقي البهيج الذي يضبط الايقاع ويرتب
الحروف.
 ربما سبب هذه الطربية الساحرة يعود لحبه للغناء، او لبيئته الحافلة بالاصوات الجميلة، او لمعرفته العميقة بروح الكلمات، وما تخبئ من المعاني والاسرار والانغام
والالحان.
 
يلمترب على الگصه البخت دهله 
مريت اعلى درب الماي 
جرح الهور بكليبك 
خذت شوگ الگصب والحيف والزينات 
تشلبن بيرغ الفقره 
يلبدمهم نبت صبير للثوره 
بحزنهم تعبت الدنيه 
بصبحهم تاهت النيات. 
 
حرارة
لغة الشاعر حارة ومتوهجة، كروحه الفراتية المتمردة على الاستبداد، هي ليست واضحة كل الوضوح، ولا غامضة الى حد الالتباس، انها تجمع بين معاناة الانسان المقهور، وبين عذابات الناس المندفعين في الشوارع، وبين الحسيات المعروفة للجميع، وبين الوقوف امام جماد لا يتحرك، وه ي ليست بريئة ولا تخلو من الشك والتجريد والعنفوان، وتبشر بالامل والثورة والبشارة والتغيير
والاصلاح.
 
واجت روحك حزن طيره 
ذبحها العطش واشتاگت 
شهگ بيها ونده ماي السلف گامت 
حچه وياها يدنيه الصامته ويا الضيم 
يحزن الوادم وليل الفرات المالح 
الگلش حلو ومالح 
صعد نشمي بذره الزينات ظل شابح 
نهض بيها الشرف واندارت الرايات 
زغرت عالنذل وتندهك ولايات 
طب لها الصبح و اترسها هلهولات.