بريطانيا تصارع تداعيات خروجها من الاتحاد الأوروبي

بانوراما 2021/11/07
...

 جيل لوليس
 ترجمة: بهاء سلمان
{لننتهي من بريكست}، هكذا كان شعار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حينما دخل معترك الانتخابات قبل سنتين. ومنذ ذلك الوقت، انسحبت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بعد أكثر من أربعة عقود على عضويتها، وسنوات من الجدل الشديد بشأن شروط الانفصال.
 
ومع ذلك، ما تزال النزاعات مستمرة، فبريطانيا والاتحاد الأوروبي، الذي يضم حاليا 27 دولة، يجددان مرة أخرى تبادل الاتهامات والشتائم مع سعيهما الحثيث لحل النقاط الوعرة في علاقتهما.
يتركز النزاع الحالي حول ايرلندا الشمالية، وهو الجزء الوحيد من المملكة المتحدة الذي يتشارك بحدود أرضية مع دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي: جمهورية ايرلندا. وبينما كانت بريطانيا جزءا من سوق واحدة وواسعة لتجارة حرة ضخمة للاتحاد الاوروبي، لم تكن هناك أية حواجز أمام الناس والبضائع لعبور الحدود. كما ساعدت الحدود المفتوحة على دعم عملية السلام التي أنهت عقودا من العنف الكاثوليكي البروتستانتي داخل آيرلندا الشمالية، لأنه سمح للناس هناك، مهما كانت خلفيتهم، أن يشعروا بأنهم في وطنهم عندما يذهبون إلى كل من ايرلندا والمملكة 
المتحدة.
وبإخراج المملكة المتحدة من النظام الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، أوجد اتفاق بريكست حواجز ونقاط تفتيش جديدة في ما يخص التجارة؛ واتفق كلا الطرفين، بريطانيا والاتحاد الاوروبي، على عدم تطبيق مثل هذه الإجراءات ضمن الحدود الفاصلة بين الايرلنديتين لأنها تمثل خطرا على عملية السلام. 
 
توقيت النزاع
كان البديل هو وضع حدود جمركية في البحر الايرلندي، بين ايرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة. إلا أن الحد البحري الجديد تسبب بصداع شديد وأغلق المصالح التجارية، كما أغضب البروتستانت المنتمين للحزب الاتحادي الديمقراطي، الداعم لبقاء ايرلندا ضمن المملكة المتحدة، والذين أشاروا إلى أن هذا الحال أضعف من مكانة ايرلندا الشمالية داخل المملكة المتحدة، ويهدد هويتهم 
البريطانية.
بقيت المشكلة تتراكم منذ مغادرة بريطانيا للحضن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي نهاية سنة 2020، وبضمنها السوق الموحدة للكتلة الأوروبية. ووفقا لاتفاقية الانفصال، طلب من الحكومة البريطانية فرض تفتيش جمركي على البضائع الداخلة إلى آيرلندا الشمالية من بقية المملكة المتحدة؛ ولطالما أجّلت الحكومة البريطانية تنفيذ هذا الوضع، الأمر الذي أثار انزعاج الاتحاد الأوروبي. وظهرت مشكلات محددة تخص المنتوجات الزراعية والغذائية، كان أبرزها حظر لاح في الأفق على اللحوم المجمدة الداخلة الى ايرلندا الشمالية من بقية بريطانيا، مما حفّز الصحافة على إطلاق عناوين رئيسة بشأن {حرب النقانق}. 
واشتدت المعارضة من قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي لاتفاق بريكست، وصرّح زعيم الحزب {جيفري دونالدسن} مؤخرا أنه {إذا لم يتم استبدال الاتفاق، فحينها سيحكم على البلاد بمزيد من الأذى وعدم الاستقرار}.
وغذى الغضب بشأن الاتفاقيات الجديدة عدة ليال من أعمال العنف في آيرلندا الشمالية شهر نيسان الماضي، وبشكل كبير داخل المناطق البروتستانتية، التي شهدت إلقاء المتظاهرين الشباب الطوب والألعاب النارية وقنابل مولوتوف على رجال الشرطة. أدى هذا الحال بالحكومة البريطانية إلى جدل مفاده أن الاتفاق بحد ذاته، وهو الذي تمت مناقشته والاتفاق عليه بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، يقوّض عملية
السلام.
 
رأي الاتحاد الأوروبي
يتفق الاتحاد الأوروبي على أن إجراءات آيرلندا الشمالية لا تعمل بشكل حسن، وعرض قبل عدة أيام مقترحات لتخفيف العبء من خلال تخفيض مراقبة الغذاء والمنتجات النباتية والحيوانية بنسبة 80 %، والعمل الورقي لشركات النقل بنسبة 
النصف. 
وفي عشية تنفيذ هذه الخطوة، رفعت بريطانيا من سقف مطالبها مرة أخرى، لتطلب من الاتحاد الأوروبي رفع محكمة العدل الأوروبية من كونها تمثل الوسيط المطلق لاتفاق بريكست، والبديل هو الاتفاق على وسيط قضائي دولي.
ومن غير المرجح بشكل كبير موافقة الاتحاد الأوروبي على هذا الطلب، فالمحكمة الأعلى سلطة للكتلة الأوروبية ينظر إليها على أساس كونها ذروة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، علاوة على تعهّد بروكسل بعدم تقويض نظامها. 
وأدى الطلب البريطاني إلى مساورة الشك لدى البعض داخل الاتحاد الأوروبي بشأن مصداقية حكومة جونسون ومدى التزامها
بالاتفاق.
يشير كلا الطرفين إلى أنهما سيدخلان في محادثات {مكثفة} لأسابيع عدة بخصوص المقترحات الأخيرة؛ وربما ستؤدي المحادثات إلى حصول تقدم مفاجئ أو إلى انهيار، فالمؤشرات متباينة للغاية. فمن جهة، كانت هناك لحظات أثناء محادثات بريكست حينما هددت بريطانيا بالانسحاب بلا اتفاق، فقط لكي تحقق المرونة في الدقيقة الاخيرة؛ وهذا الوضع الحالي ربما يكون مشابها.
لكن إذا ما تمسكت بإصرارها على استبعاد دور المحكمة الاوروبية، فمن الصعب تماما رؤية مساحة من المرونة. وتقول بريطانيا انها ستطلق شرارة فرض بند توقف طارئ من الذي يسمح لكلا الطرفين بتعليق اِتّفاق بريكست إذا ما سبب صعوبات استثنائية. ستعمل مثل هذه الخطوة على إثارة غضب الاتحاد الاوروبي، الذي من المرجح ان يرد بعمل قانوني، ومن الممكن فرضه لعقوبات اقتصادية ضد المملكة المتحدة.
ومن الممكن أن يصل الحال إلى حرب تجارية بتصميم هائل بين الطرفين، حرب من المرجح أن تلحق الضرر بالاقتصاد البريطاني أكثر من الكتلة الاوروبية الأضخم حجما بكثير. بالوقت نفسه، يهدد أعضاء الحزب الاتحادي الديمقراطي بإسقاط حكومة بلفاست المساهمين بسلطتها إذا لم يحصل تعديل على الاتفاق، وهي خطوة ستعمل على إثارة الدعوة إلى انتخابات وإغراق المنطقة بحالة جديدة من المجهول.