في ذكرى تأسيس أول وكالة أنباء في العراق

منصة 2021/11/09
...

 محسن حسين
 
أمس 9 تشرين الثاني مرَّتْ ذكرى تأسيس وكالة الأنباء العراقيَّة «واع» قبل 62 عاماً وهي ثاني وكالة أنباء في الدول العربية بعد مصر.
ليس سهلاً تأسيس وكالة أنباء في بلد لم يعرف هذا النوع من العمل الصحفي.
في العام 1959 بعد عام من ثورة 14 تموز تأسست وكالة الأنباء العراقية (واع) كوكالة رسمية بقرار من حكومة الثورة التي يرأسها الزعيم عبد الكريم قاسم وكان وزير الإرشاد (الإعلام) في ذلك الوقت الدكتور فيصل السامر الذي كان له الدور الرئيس في تنفيذ القرار ومتابعته اليومية. ولم يكن في العراق من له خبرة في عمل وكالات الأنباء وأسلوب عملها والأجهزة الفنية التي تستخدمها.
ولهذا فقد كان المؤسسون رواداً في هذا الميدان، وأنا أفخر بدوري في تأسيس هذه الوكالة مع اثنين من الزملاء هما المرحومان حميد رشيد وأحمد قطان.
قد لا يعرف الكثيرون ممن يعملون في «واع» ويستذكرون ذكرى تأسيسها في 9 تشرين الثاني 1959 فهذا التاريخ ليس تاريخ قرار الحكومة العراقية بتأسيس الوكالة (القرار اتخذ في أوائل آذار) وهو ليس تاريخ صدور قانون الوكالة رقم 158 لسنة 1959 (القانون صدر في 28 أيلول 1959) وليس تاريخ تنفيذه (تاريخ التنفيذ هو تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية وهو 6 تشرين الأول 1959) ولا حتى تاريخ تعيين أول مدير عام لها. إنما في يوم 9 تشرين الثاني 1959 صدرت أول نشرة إخبارية مطبوعة على الورق تحمل اسم (وكالة الأنباء العراقية).
فترة الأشهر التسعة التي سبقت المولد كانت تلك الفترة هي فترة الحمل التي تسبق ولادة المخلوقة الجديدة في الصحافة العراقية.
في العام 1959 وبالتحديد في الأيام الأولى من شهر آذار وكنت أعمل في صحيفة البلاد استدعيت أنا والمرحوم حميد رشيد لمقابلة مدير الإذاعة آنذاك (سليم الفخري). وأبلغنا الرجل أنَّ الحكومة قررت تأسيس وكالة أنباء رسمية على غرار وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية (أ.ش.أ)، وأنه قد تم اختيارنا لإنشاء نواة لهذه الوكالة. وقال إنَّ هذه النواة سترتبط بالإذاعة لحين إكمال الإجراءات القانونية اللازمة لتأسيس الوكالة.
كان حميد رشيد من أبرز الصحفيين في ذلك الوقت. كان يمارس شتى صنوف العمل الصحفي بكفاءة مثل العمود والتحقيق والمقال السياسي والخبر.
أما أنا فقد كنت هاوياً للصحافة قبل أنْ أحترفها عام 1956 وقد عرفني القراء والوسط الصحفي كمحرر تحقيقات ومندوب أخبار إضافة إلى بداية متواضعة في كتابة القصة القصيرة، وكنت قد عملت في صحيفة الشعب وملحقها مجلة (الأسبوع) في العهد الملكي ثم في صحيفة الجمهورية بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ثم في صحيفة البلاد لعدة أشهر وعملت لفترة مراسلاً لمجلة (صباح الخير) المصرية. كنت ما أزال شاباً لا يتجاوز عمري الخامسة والعشرين.
وفي غرفة تقع في الجهة اليمنى من مدخل الإذاعة في الصالحية بدأنا العمل تحت اسم (مكتب الارتباط). وانضم إلينا لفترة من الزمن الزميل إسماعيل الربيعي في بداية عمله الصحفي، والزميل مفيد الجزائري الذي تولى منصب وزير الثقافة عام 2003.
كنا نقوم بجولات يومية على الوزارات والمنظمات لجمع الأخبار ونعود إلى الإذاعة عند الظهر لتحريرها وطبعها واستنساخها في صفحتين أو ثلاث نسلم نسخة منها إلى المذيعين لإذاعتها الساعة الخامسة مساءً بعنوان (نشرة الأخبار المحلية) وتوزيع البقية بين الصحف المحلية لنشرها في اليوم التالي. وكانت ترد إلينا بيانات الوزارات وتصريحات رسمية من هذا الوزير أو ذاك لكي ندرجها في النشرة، وكذلك بيانات مجلس الوزراء ومقابلات كبار المسؤولين. وفي تشرين الأول 1959 عين أحمد قطان مديراً عاماً للوكالة.
وفي أوائل تشرين الثاني أغلق مكتب الارتباط وانتقلنا إلى مبنى قريب من الإذاعة اتخذ مقراً للوكالة، لكنَّ زميلي حميد رشيد رفض العمل في مقر الوكالة وكان يعتقد أنه سيكون مدير الوكالة. ثم جرى نقل قسمي الأخبار الخارجية والإنصات من الإذاعة إلى مبنى الوكالة وبدأنا العمل في 9 تشرين الثاني 1959 ووضعنا على النشرة الإخبارية اسم وكالة الأنباء العراقية بدلاً من مكتب الارتباط في الإذاعة والتلفزيون.
أما رمز «واع» فلم نستخدمه إلا في العام 1963 بعد مفاوضات طويلة مع وكالة رويترز التي تسخدمه رمزاً لوكالة الأنباء العربيَّة التي تصدرها في ذلك الوقت وتغيير اسمها الى وكالة الأنباء الإقليميَّة.