هدى عبد الحر
في معرض الكتاب الدولي المقام حالياً في النجف الأشرف كانت هناك مفاجأة رائعة تنتظرني، مفاجأة تختلف عن دهشتي الكبيرة بعنوانات الكتب الجديدة التي أتوق لها دائماً فبعد جولتي في الأروقة المزدانة والعبقة براحة المعرفة الرصينة.
لفت نظري تجمع لبعض زوار المعرض وعدد من الإعلاميين والصحفيين وأخذتني النظرات المتسائلة إلى الضيف الذي تُسلط عليه الأضواء وكان مجرد طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها سبع سنوات طفلة شقراء بعيون خضراء تشعّ ذكاءً وفطنة وملامح طفولية بريئة جداً على رأسها قبعة صغيرة زادت من أناقتها وهي تتحدث للحضور بلباقة عالية حيث كل العيون تترقبها بإعجاب وغبطة، بعد انتهاء اللقاء القصير وتفرّق الحضور من حولها وجدت نفسي قرب هذه الصغيرة التي سرقني ألقها حتى من حديثي مع صديقتي التي لم أرها منذ سنوات طويلة.
فسحر هذه الطفلة الجميلة الطاغي غطى على كل شيء.
قلت لها في محاولة لمشاكستها كيف وجدت معرض الكتاب؟
قالت بنبرة حماسية: جميل.. جميل جداً وأنا مشتركة لي كتاب فيه..!
وأسرعت إلى أحد الرفوف القريبة منا وسحبت قصة أطفال بطباعة أنيقة وحديثة كتب عليها: فاطمة الزهراء ليث (براعم الخيال) ويحمل الغلاف صورتها فسألتها بودٍ كبيرٍ هل من الممكن أنْ تهديها لي؟
قالت نعم وسأوقعها لك أيضاً!
فقلت مستدركة: سأشتريها.
فردّت بحزم: لا لا هي هدية مني وأخرجت قلمها الطفولي ووقعت النسخة لي.
جلست قربها وبدأت أقرأ بعض العبارات من قصتها وأتعمد الخطأ وإذا بها تصحّح لي، ما يدل على تمكنها من اللغة بشكل يفوق عمرها بسنوات.!
فاطمة الزهراء ليث أصغر قاصة عراقية تدخل مضمار السرد في سن مبكرة جداً.
وربما كان لجدها الأديب والروائي حميد الحريزي الدور الكبير في تشجيعها على هذا الفن الصعب والشاق جداً والذي بدأته بخطوة صغيرة ربما ستتبعها خطوات فيما لو بقي حماسها وحبها مستمرين.
ما لفت نظري في تجربة هذه الطفلة ليس صغر سنها فحسب بل الحالة التي تمثلها، فأنْ يكتب الطفل للطفل ميزة جديدة تحتاج وقفة نقدية فـ(براعم الخيال) التي سطرتها أنامل القاصة الصغيرة لا بُدّ أنْ تكون مترعة بأفكار هذا الطفل وهو يدخل عالم الكلمة، فقد جرت العادة أنْ يكتب الكبار للصغار محاولين نصحهم وإرشادهم عبر قصص وحكايات تقترب من الوعظ ولكننا هنا مع خيال طفلة تحاول أنْ تعبر عن ذاتها بطريقة عفوية جداً.