نجم الشيخ داغر
إن من طبيعة الامور والاشياء التي يملكها الانسان والخاضعة لارادته بالتصرف، قبولها اللونين الاسود والابيض بحسب الفعل المختار من قبله شراً كان او خيراً.
ولعل اللسان خير شاهد على ذلك، فباستطاعة صاحبه أن يصيره بلسما للجروح، وكذلك سيفا لهدم مروءة الناس وتخريب بيوتهم، كما ان هناك فرقا كبيرا بين من يستخدم الديناميت على سبيل المثال لتفجير الجبال واستخراج المعادن الثمينة منها، وبين ذلك الذي يقصف به المدن ويقتل الابرياء الآمنين في دورهم.
وهكذا هي طبيعة الانسان الذي يلون كل ما يوجد حوله بلون نيته وعمله الصالح او الطالح.
من هذه الامور التي تخضع لطبيعة الانسان الشريرة او الصالحة، تبرز وبقوة وسائل التواصل الاجتماعي التي من المفترض أن تكون اسما على مسمى، مع اننا لا نستطيع الجزم أن مارك زوكربيرغ أسس شركة (الفيسبوك)، وكانت نيته في الاصل تعزيز اواصر العلاقات الاجتماعية بين البشر؟، ام الربح والشهرة فقط او اهداف اعمق وابعد من ذلك؟، بيد اننا ملزمون باخذ العنوان العام الذي اطلق على هذه المنصات الالكترونية ووسمها بلون التواصل
الاجتماعي.
على اي حال، وصلت الينا هذه الوسائل الخطيرة التي تضم بين طياتها العديد من الاجنحة الداعمة للابداع، فجناح يمكن أن يحلق بك اعلاميا وآخر فكريا وثالث فنيا ورابع دينيا وهكذا.
بيد أن الكثير منا ولا اتحدث عن العراقيين فقط وانما تجربة الشعب العربي بشكل عام، تلقفوا هذه الوسائط وشرعوا من خلالها بتفريغ كل امراضهم النفسية والاجتماعية على الآخر المختلف، فمن القيء الطائفي الى القومي وصلنا الى كل انواع القيء الالكتروني، فباتت كل فئة وحزب بل ان هناك دولا تعمل بكل طاقتها لتأسيس جيوش وذباب الكتروني لتحقيق اجندة خاصة من خلال تدمير المناوئ
لسياستها.
ومن الخصوصيات الكثيرة التي تتميز بها هذه الوسائل، تتجلى مقدرتها على كشف عما يخبئه العديد من الأشخاص المتسترين بالفضيلة او القيم المصطنعة، من خلال عدم صبرهم على الاستمرار بالتمثيل في صفحاتهم الشخصية، فتراهم يتراقصون ويشتمون ويغازلون في صفحات أخر توفرها لهم الوسائل المذكورة، ويظنون انها لا تظهر لاصدقائهم
ومعارفهم.
هذه امثلة بسيطة عما وصلت اليه هذه الوسائط التي تحولت من منصات للتواصل الى وسائل للتنابز والتشاتم والتنمر الاجتماعي.
نعم انا لا انكر أن هناك العديد من الاشخاص المحترمين نساء ورجالا وظفوها بشكل جيد واستثمروها لنشر نتاجاتهم العلمية او الدينية والفكرية وغيرها، بيد أن وجود هؤلاء وسط كل ضجيج التفاهة والبهيمية المتنامية في هذا العالم الافتراضي، جعلهم مثل نقطة بيضاء في جلد ثور
اسود.