خنس متحف آشوري في الهواء الطلق

منصة 2021/12/05
...

 يوسف المحمداوي
تذكرت هذه الواحة الأثرية التي أسعدتني زيارتها سابقا،  بعد ان أشارت أخبار إعلامية واردة على لسان مدير دائرة آثار دهوك بيكس جمال في تشرين الاول من هذا العام، الى أن التنقيب الذي اجرته الدائرة بالاشتراك مع جامعة أوديني الايطالية، ادى الى اكتشاف عبّارة بالقرب من خنس شرقي دهوك 
 
كانت تستخدم لعبور النهر والوصول الى نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية، وكذلك اكتشاف معمل لانتاج النبيذ يعد الأقدم في الشرق الاوسط والثاني على مستوى العالم، بحسب تصريحات جمال المفرحة بهذا الاكتشاف المهم، وهذا ما دعاني للكتابة عن خنس وتأريخها الموغل بالقدم فضلا عن اهميتها كعاصمة أو منتجع صيفي للملك الآشوري سنحاريب الذي قام ببنائها قبل(2700) عاما.
 
عاصمة صيفيَّة
خنس واحيانا يطلق عليها خنوسة لم يتوصل علماء الآثار الى معنى الاسم، لكنها في اللغة العربية معناها توارى اوغاب، تقع خنس على بعد 50 كم شرق مركز محافظة دهوك،هذه الواحة الصخرية أو المتحف المعروض في الهواء الطلق، جعل منها الملك سنحاريب بن سرجون الثاني عاصمة صيفية له كبديل عن عاصمة امبراطوريته نينوى، وهذا الاختيار لم يأتِ اعتباطا، لكون الملوك الآشوريين على معرفة تامة بالمواقع المهمة وهمهم الأول هو العمران واقامة المشاريع، اضافة الى اعتدال مناخها فإنَّ موقعها على نهر الكومل يجعل منها مشروعا إروائيا، وهذا ما جعل الملك يعجّل في الاختيار والبناء لكون اغلب سهول نينوى في زمنه كانت تعاني الجفاف، فسارع الى مد قناة مائية تحت الأرض ما بين منتجعه الصيفي والعاصمة نينوى، يصل طولها الى 80 كم، وهنا أقف مذهولا امام هذا المشروع الذي نفذته العقلية العراقية قبل 700عام من الميلاد، واليوم نجد أهوارنا تسير صوب الجفاف واغلب اراضينا غزتها الملوحة، ومع توفر التكنولوجيا الحديثة بكل مسمياتها نجد المسؤولين عن الموارد المائية عاجزين عن توفير الحياة المائية لهذا الوطن، الذي اصبح يستورد حتى الخضار بعد أن هجر الفلاح أرضه بسبب شح المياه، فكم من سنحاريب نحتاج في زمننا هذا لاصلاح ماخرب؟
مخازن للغذاء
وانت تدخل تلك الفاتنة ستغازلك العديد من لوحات الحسن، لوحة نقشت على جدار صخري ترى فيه الملك سنحاريب وهو يقدم القرابين للآلهة عشتار، وهناك تجد العديد من الكهوف التي حفرت بذلك الجدار الصخري اسفل النحت، استخدمها الملك سنحاريب كمخازن للغذاء لبرودة الأجواء فيها، لأن الداخل اليها يشعر ببرودة تختلف عن برودة الجو خارجها، وذكر المؤرخون إن الرهبان بعد فترة حكم الملك استخدموها كصوامع للتعبد، وغير النقوش التي تراها جلية على ذلك الجرف الصخري ترى أحد الثيران المجنحة بالقرب من المياه المتدفقة من الصخور، علما إن تلك الصخور الصلبة الموجودة في الجرف الصخري لخنس استخدمها الملوك الآشوريون في بناء قصور عاصمتهم نينوى، وفضلا عن الثور المجنح تجد هناك مقابر مختلفة وقناة من المياه وكتابات سومرية ولوحات من السحر والجمال، التي تجعل منك مزهوا بهذا الارث الحضاري، الذي لو استغل بالشكل الصحيح لأصبح موردا اقتصاديا مهما لأهمية الموقع عالميا، لكونه يؤرخ لفترة 700عاما قبل الميلاد، في حين هناك دول تتباهى بأمكنة لديها لم يتجاوز عمرها القرنين من الزمن، كبرج ايفل على سبيل المثال لا الحصر، الذي تم افتتاحه في العام 1889،ومع ذلك تجد زائريه من جميع بلدان العام يصل عددهم بالملايين سنويا، وذلك لاهتمام القائمين عليه لما يدر على فرنسا من الاموال.
وتلاحظ في قرية خنس هناك ألواح غاطسة تحت الماء، أحدهما نقشت عليه ثلاث صور بشرية. تقول المصادر التأريخية إنها للإله بعل وشخصين يصلان بحضرته، ونقوش لثور مجنح برأس انسان.
هذا المتحف الأثري بعد أن تمَّ اكتشاف العبّارة فيه وكذلك مصنع النبيذ في شهر تشرين الاول الماضي، أنا على يقين بأنه سترى النور كنوز أثرية أخرى، لتعوضنا على الأقل ما فقدناه من كنوز آشورية في الموصل على يد عصابات(داعش) الاجرامية.