متى يكف الفضوليون عن انتهاك خصوصيتنا

ريبورتاج 2021/12/28
...

 سرور العلي 
تشكو فاطمة أحمد (35 عاماً)، من فضول جارتها التي تحاول أن تتدخل في تفاصيل حياتها الدقيقة، إذ تتساءل عن المرتب الذي يتقاضاه زوجها من عمله، وعن علاقتها معه إن كانت تجري على ما يرام أم هناك ما يجعلها غير مستقرة، وقالت محمد عن ذلك بتذمر: «تحب تلك الجارة الثرثرة في كل شيء، ومعرفة خصوصية الآخر وأسراره، وجعله قصة تتداول بين بقية الجارات». 
 
تدخل
ويرغب كثيرون في معرفة كل شيء عن الآخرين، ويدفعهم الفضول لهذا السلوك، وهو طبيعة لدى البشر، ولكن قد يتحول إلى مصدر إزعاج يضيق الخناق علينا، لا سيما أن هناك من يسألون عن كل التفاصيل، ويتدخلون في الشؤون الخاصة.يقول طارق البياتي: «حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، جملة لا يفهمها الكثير من الناس، تراه يعطي لنفسه الحق بالتدخل في أدق خصوصياتك، والأخذ والرد فيها، بذريعة أنهم من الأقارب أو الأصدقاء أو حتى الأهل، لا يفهمون الحد الفاصل بين النصيحة والتدخلز أشخاص مهووسون بمعرفة تفاصيل الآخرين، واسعار ممتلكاتهم، وتفاصيل خط سيرهم اليومية، والطامة الكبرى هي مواقع التواصل، إذ أضحت وسائل مراقبة لبعض الفضوليين لرصد تحركات الآخرين، وفي النهاية الفضول مرض يتعب صاحبه».
 
مصدرٌ للإزعاج
يشكل الفضولي مصدر إزعاج للآخرين، إذ إنه يقتحم حياتهم، ويتدخل في شؤونهم، والفضول هو سمة بالفطرة حيث يولد الطفل ومعه فضول نحو استكشاف الأشياء من حوله، وهذه الفطرة لدى الطفل تكون واضحة لديه، بحركاته وسلوكه وبحثه وبنظراته من خلال الزحف والسير، وبلمس جميع الأشياء المحيطة به. 
دكتورة العلوم التربوية والنفسية في جامعة بغداد، ناز خان السندي أوضحت: «منذ الصغر يجب ألا يتمادى الطفل في الاستكشاف غير المنطقي، أي على الوالدين خاصة الأم، كونها تقضي أكثر وقتها معه أن تحدد قضية الفضول بداخله، فمهم جدا أن يتعرف الطفل على ما يحيط به، لأنه عالم جديد بالنسبة له، لكن عندما يزيد الموضوع عن حده تصبح هذه السمة ضمن سمات شخصيته فتكبر معه، وسيكون شخصاً فضولياً، لذلك عليها أن تعلمه اكتشاف الأشياء المهمة، ويترك غير المهمة حتى لا تصبح سمة، وجزءا من شخصيته».
وأشارت السندي إلى أن من صفات الفضولي، هو محاولته التدخل في الأمور الخاصة والعامة الموجودة بما يحيطه، وأيضاً نستطيع أن نعرف أنه شخص فارغ لا اهتمامات له، ولو كان لديه اهتمام وأهداف خاصة به، لما كان تدخل في حياة غيره، ولهذا السبب يكون سطحيا، وليست لديه أشياء مهمة في حياته، ومن المهم جدا التعامل معه بطريقة تجعله يشعر بأنه غير مرغوب به، وأكدت «علينا ألا نجيب على كثرة الأسئلة، التي يسألها ونتجاهلها، ومن الممكن أيضاً تغيير الموضوع، حتى لا نحقق رغبته بالفضول، ونعمقها بداخله، والفضولي لا يشعر بمشاعر الناس، ولا يهمه انزعاجهم، وهذه كذلك صفة من صفاته، لذا من الضروري تجنب مثل هكذا شخص، ووضع حد بيننا وبينه، وعدم الاكتراث له، ولأسئلته المملة، والابتعاد عنه، إذ ذلك من الممكن أن يغير من تصرفه، ويحاول التخلص من هذا السلوك». 
ظاهرةٌ سائدة
«من راقب الناس مات هماً»، تلك العبارة الشهيرة، والتي تتردد على لسان العامة، ونصادفها منقوشة على واجهات البيوت ويافطات الأسواق، وحتى على زجاج السيارات، والتي قالها شاعر من العصر العباسي يُدعى: (سلم بن عمرو) المولود في البصرة في أحد أبيات شعره، وجدها د.فلاح حاجم المفتاح المناسب للخوض في موضوعة الفضول، إذ بين ذلك بالقول: «تلك الصفة واكبت البشرية ربما منذ بدء الخليقة، فالإنسان بفطرته ميالٌ إلى حب الاستطلاع والتعرف على أوضاع الآخرين، ربما ليجد موطئ قدمٍ له في المجموعة البشرية، التي يتعذر العيش من دونها».
وتابع حاجم حديثه «وأزعم أن الفضول، شأنه شأن الصفات والمظاهر الاجتماعية، بشكليها الجمعي والفردي، قد خضع للتغيرات الزمنية، التي لا مناص منها، ومن هنا اختلاف نسبة الفضول وأنواعه من منطقة جغرافية إلى أخرى، ومن تجمع بشري إلى آخر، فمن غير الممكن اعتبار الفضول السائد في المجتمعات الحضرية، التي قطعت شوطا مهما في ميدان الثقافة والمعرفة والتعليم، شبيها بما هو سائد في مجتمعات لا تزال تعيش مرحلة البداوة وتتربع على الدرجات الدنيا من سلم التطور البشري، على أنه لا بد من القول بأن ظاهرة الفضول موجودة في جميع المجتمعات البشرية، وإن كانت بنسبٍ مختلفة، كما أشرنا».
وفي سؤالنا له متى يكون الفضول سلبياً، أكد حاجم: «باعتقادي ينبغي النظر إلى الفضول والشخص الفضولي من خلال النتائج المترتبة على الفعل، الذي يمارس بدافع الفضول، ولا شك أنه يكون سلبيا إذا ما تجاوز الخطوط، التي صاغها تعايش المجموعة البشرية، وأصبحت تدرج ضمن ما يسمى الأعراف السائدة المتوارثة، التي باتت تشكل قواعد ونواميس، (أحيانا مدونة «باللسانية العشائرية») وشفوية في أغلب الأحيان، وربما يكون حجم الضرر، الذي يسببه الفعل الفضولي هو المقياس الأنسب لتقييم الفضول، فما يقوم به شخص فضولي يختلس النظر، على سبيل المثال، إلى حياة شخص آخر من خلال ثقب المفتاح، هو اقتحام غير مبرر ومرفوض للخصوصية، وكذلك إذا تباطأ سائق السيارة عند رؤية حادث سير فقط لإشباع فضوله بتفاصيل ما حدث، فإنه يتدخل ليس في حركة المرور فحسب، بل أيضًا في أعمال الإنقاذ، فهذا النوع من الفضول عديم الفائدة تمامًا، بل إنه ضار، الأمر الذي لا يمكن أن يثرينا روحيا، أو يشبع رغباتنا المشروعة».مضيفا: «وختاماًةأعتقد انه ينبغي التمييز بين وجهين للفضول، فعلى سبيل المثال نحن مدينون لأولئك الأشخاص الأذكياء بكل وسائل الراحة التي نتمتع بها في الحياة الحديثة، من تقنيات الكمبيوتر المتقدمة، وتوافر الرحلات الطويلة، والسهولة المذهلة في اختيار أماكن السفر والإجازات، وملايين المستخدمين المتصلين بأجهزة مختلفة، لقد كانوا الأوائل في لعبة الإدراك الجريئة، ونتذكرهم بامتنان». 
 
أنواع
وينقسم الفضوليون إلى أنواع، كالفضولي بالفطرة، وهو الذي يرغب بمعرفة كل شيء، ولا يهتم للإحراج الذي يسببه، والفضولي الثرثار، ويكون شغوفا بالثرثرة ونقل الأحاديث بين الآخرين، وهناك الفضول الناتج عن الحذر والتوتر، لا سيما عند أولئك الذين يلتقون بأشخاص لأول مرة، أو ممن يمارسون مهنة جديدة، كذلك فضول الإعلاميين الراغبين بمعرفة أسرار غيرهم، من فنانين وسياسيين، ومشاهير، لتكون مادة في عملهم. ولفتت الموظفة شيماء حسن إلى أن هناك نوعا من الفضول أسهم في تطور المجتمعات، وتحقيق الإنجازات، وهو الفضول
العلمي.