متحرّراً من ملف تعويضات للكويت وخالياً من القوات الأجنبية القتالية العراق يستقبل العام 2022

ريبورتاج 2022/01/03
...

   عدنان أبوزيد 
 
يستقر العراق في العام 2022 على معادلة جديدة تتضمن متغيّرين إيجابيين على مستوى الاقتصاد والأمن، وهما انسحاب القوات القتالية الأجنبية، واتمام دفع المبالغ التي أقرتها الأمم المتحدة كتعويضات للكويت عن الغزو في 2 أغسطس/آب 1990، ما يدفع خبراء إلى التفاؤل بمستقبل أفضل للبلاد عبر تحسن الأوضاع المالية بالعراق، وتعزيز الأمن بقوات عراقية قادرة على حماية البلاد من دون مساعدات قتالية اجنبية.
وأعلن البنك المركزي العراقي انه في 23 كانون الاول/ ديسمبر 2022 سوف يتم دفع جميع التعويضات المالية للكويت البالغة 52.4 مليار
 دولار بعد أكثر من 31 عاماً من غزو
 الكويت، بالتزامن مع انهاء
 التحالف بقيادة الولايات
 المتحدة مهامه القتالية 
في العراق، بعد سبع
 سنوات من الحرب على
 عصابات داعش.
 
استقطاعات ماليَّة إلزاميَّة
يتحدث الدكتور مظهر محمد صالح، مستشار السياسة المالية لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لـ "الصباح" عن أن "العراق على وجه العموم، والمالية العامة العراقية على وجه الخصوص، سوف تستقبل العام 2022 والبلاد خالية من أحد أهم القيود الاقتصادية الدولية التي ظلت جاثمة على الاقتصاد الوطني على مدى ثلاثة عقود من الزمن وهي استقطاعات مالية الزامية، فرضتها قرارات مجلس الامن الدولي على صادرات العراق النفطية بسبب غزو الكويت بلغت نسبتها في آخر المطاف 3 ٪ من قيمة كل برميل نفط خام او برميل منتجات نفطية مصدرة من العراق الى الأسواق العالمية".
ويكشف صالح عن أنّ "قيمة الاستقطاع اليومية بأسعار النفط وكمياته المصدرة حاليا قدّرت بما لا يقل عن 7-6 ملايين دولار، وهو مبلغ لو تم استغلاله سنوياً لأغراض البنية التحتية فبمقدوره اضافة 2000 ميغاواط من الطاقة الكهربائية الى الشبكة الوطنية، أو على الاقل يسهم في سد جانب مهم من خدمات الديون الخارجية على العراق او تعويض اي نشاط اقتصادي يخفّف من الاعباء الداخلية او الخارجية للدولة العراقية".
واستطرد صالح "في كل الاحوال سوف تضاف فسحة مالية قدرها 3 ٪ من انتاج وتصدير نفط العراق الى الموازنة العامة السنوية ومن موارد بلادنا الذاتية".
ويتوقع صالح أن "نهاية تعويضات حرب الكويت  ستمنح زخماً دبلوماسياً عالياً للانتقال (عملياً) من بقايا أحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي ظل مقيداً لرافعة التنمية والتقدم الاقتصادي للعراق تحت التهديد بأدوات اقتصاد الحرب وبإرادة اممية حتى وإن كانت (نظرية حاليا) والانتقال الى اقتصاديات السلام التي يلامسها الفصل السادس من الميثاق المذكور والقاضي بحل اي خلافات موروثة وغيرها بين الأمم بالوسائل الدبلوماسية والعلاقات الودية".
وتوقّع صالح أنّ "العام 2022 سيشهد تقدمين حقيقيين متلازمين للدبلوماسية العراقية على صعيد الاقتصاد الدولي وعلى صعيد العلاقات الدولية في آن واحد".
 
التحدي الأكبر
يؤشر السياسي والوزير السابق بنگين ريكاني في حديثه لـ "الصباح" التحديات بعد الانسحاب الأميركي وانفراج أزمة الديون، فيقول إن "أكبر تحدٍ يواجه العراق في العام المقبل هو الهوية وطبيعة النظام السياسي غير المنتج والذي ادى الى انتشار الفشل والفساد وتشتت مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على أداء مهامها ووجود أشخاص في مواقع لا يفهمون مهامهم ولا يدركون أهمية تلك المواقع"، معتبراً أن "النظام يجب أن يعمل على اصلاح نفسه"، محذراً "من القادِم اذا لم يتم انجاز ذلك". 
وبين ماضٍ غرق بالأخطاء، ومستقبل مأمول بالنجاحات، يتحدث قائممقام سامراء محمود السامرائي لـ "الصباح" عن "سنين طويلة تكبّل خلالها العراق بأخطاء ستراتيجية وضعته في خانة الديون الثقيلة التي ارهقت مجتمعه واحرجت قادته للوصول الى بر الأمان وانجاز تجربة تسهم في تحقيق السلم المجتمعي بين أطيافه".
واستطرد السامرائي "البلد وصل اليوم الى بر الأمان بعد انتهاء التعويضات، وانسحاب القوات القتالية الأجنبية، وهذا لم يكن ليحصل الا بتخطيط كبير من قادة يضعون مصلحة البلد نصب اعينهم عبر علاقات اقليمية جيدة ليتوّج دعمهم بالحفاظ على امنه وسيادته وتجلى ذلك بانسحاب القوات الاجنبية من أرضه ليعود لحاضنته العربية".
 
العوامل الإيجابية الجديدة
الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، ترى في حديثها لـ "الصباح" أن "العوامل الإيجابية الجديدة مع بدء العام الجديد، سوف تؤثر في مسار الأحداث في العراق، باتجاه تحسين الاقتصاد، شرط توظيفها بهذا الاتجاه، لكن الخشية من النمطية في عملية صنع القرار الاقتصادي، فمن دون تغيير الآلية المتحكمة، وتطوير العقلية الادارية، فان الوفرة النفطية المقبلة، سوف تضيع مثلما ضاعت الكثير من الفرص في السنوات الماضية".
مدير مركز الاتحاد للدراسات الستراتيجية محمود الهاشمي، يعتبر في حديثه أن "إكمال العراق تسديد ديونه الى دولة الكويت، هو تحول كبير ليس في البعد المادي انما في البعد السياسي ايضا، لأن البلد واقع تحت البند السابع الذي يقيّد أمواله في البنك الفيدرالي الاميركي ويلزمه في شؤون اقتصادية وسياسية لما في البند السابع من تبعات قانونية ودولية تجعل العراق بلدا (ناقص السيادة)".
ويسأل الهاشمي عن "مديات قدرة الحكومة العراقية على الاستفادة من فائض الأموال التي كانت تقتطع من ريع النفط وتحويلها اما الى (صندوق سيادي) ضماناً للأجيال المقبلة او للمشاركة في البناء والاعمار واعادة تأهيل المصانع والمعامل المدمرة".
 
متغيّر أمني حاسم
وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلِن لأول مرة في واشنطن على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للولايات المتحدة، عن الاتفاق على إنهاء "المهام القتالية" لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، لتنحصر مهام تلك القوات في التدريب والاستشارة فقط.
يتحدث الخبير الأمني فاضل أبو رغيف لـ "الصباح" عن أن "القوات الأمنية العراقية التعبوية منها والميدانية والأجهزة الامنية والاستخباراتية تمتلك جهوزية عالية في مقارعة اوكار الإرهاب، لأنها اكتسبت الخبرة نتيجة مقارعتها لعصابات داعش خلال السنين الماضية".
ويرجّح أبو رغيف أن "المعركة المقبلة هي ليست معركة عسكرية ميدانية، والعراق لا يحتاج بعد الآن الى أية وحدات قتالية او مشاة على الأرض، بل يحتاج الى الدعم بالأجهزة التقنية الحديثة".
ويرى أبو رغيف أن "العراق يحتاج ايضا الى التسليح والتجهيز في ما يتعلق بطائرات اف -16 وصواريخ الهيل فاير، لأن المعركة المقبلة هي معركة معلومات واستخبارات وليست معركة أرض، لأن عصابات داعش فقدت قدرتها في ما يتعلق بدولة التمكين، وهي الآن مشتتة و متشرذمة، تتوارى بمناطق صعبة بين الكهوف والوديان، فضلا عن الجزر والصحارى التي استغلتها لصالحها وتأقلمت معها بشكل يبقيها، بعيدة عن أنظار الأجهزة الأمنية".
ويشير أبو رغيف الى أن "العراق في العام 2022، يحتاج الى دعم منظومة الدفاع الجوي وانماء منظومات الباتريوت والسي 300 او السي 400، لتحل محل منظومة بانتسير-اس1 التي اصبحت قديمة نوعا ما، واعتقد أن العراق سيتعافى وسيخرج منتصرا كما خرج منتصرا في السابق".
وعلى الرغم من أهمية الانسحاب الأميركي القتالي من العراق، الا أن رئيس مركز المورد للدراسات والاعلام، نجم القصاب يرى أن "الشعب العراقي لا يهتم بالانسحاب الاميركي أو بالمتغيرات أو التعويضات لأنه اصبح مدمنا على الأزمات التي واجهها سواء قبل 2003 او بعدها ما يجعل الشعب ينظر الى متطلبات يومه الحاضر فقط".
في حين يرى القصاب أنه على الرغم من  الانسحاب الاميركي الا أن الدعم الفني سيستمر خصوصا في الدفاعات الجوية، وسيكون مفيدا للأمن العراقي".
ويرى القصاب أن "سياسات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، هدّأت الأوضاع، لا سيما ان هناك مشكلات أمنية اقليمية ومحلية، وقد سعت جهات الى استدراج حكومة الكاظمي الى التصادم وتعطيل إيجابية المتغيرات المقبلة".
وفي ما يخص التعويضات، يشير القصاب الى أن هذا "الملف أصبح واقع حال، والشعب العراقي هو الذي دفع ثمنها بسبب سلوكيات النظام السابق، وان الأمل معقود على الحكومة في الاستفادة من الأموال لتحسين الواقع العراقي". 
وبختام فصل طويل قاس على الاقتصاد العراقي، بإغلاق ملفات التعويضات المالية للكويت، نهائيا، فان المواطنين العراقيين يأملون في التنمية والمشروعات الاستثمارية التي توفر فرص العمل، بينما يتيح انسحاب القوات القتالية الأجنبية من العراق بعد انهيار داعش، الفرصة لبناء قدرات أمنية وطنية، قادرة على توفير الأمن والاستقرار، بقدرات ذاتية.