الجيش العراقي.. بوابة السلام العظيمة

ريبورتاج 2022/01/05
...

  ذوالفقار يوسف
يلتصق بأعمدة احدى سيطرات التفتيش، ويبتسم لراكبي كل عجلة تمر من أمامه، ويحاول قدر استطاعته أن يقول لهم بعينيه: لا تخافوا، إن الأمر على ما يرام، يجمع كلتا يديه معاً ليجعلهما دافئتين كما قلبه على وطنه، ويحتضن سلاحه بقوة الجبابرة، رافعاً يديه تارة ملوحاً بهما لكل من يرمي السلام عليه، وتارة أخرى يمسح بهما على فوهة بندقيته، كأنه يحدثها، ويغازلها، فهي منذ مدة لم تفارق صدره، يقول لها مراراً إن المهمة صعبة، الا أننا ما دمنا معاً فسوف ننتصر، فنحن من العراق وإليه إلى الأبد.
 
وتخوننا العبارات عندما يتعلق الأمر بهم، تلك المشاعر التي نريد أن نترجمها ما إن ذكرناهم، اولئك البواسل المضحون بالدماء كلما تطلب الأمر، يعلموننا يوماً بعد آخر كيف نسمو بأنفسنا، ونكون واثقي الحزم والإرادة، فلا عراق بلا حماة، وها هم حماتنا ونحن نحتفل بعيدهم البهي ما بقينا وبقي الليل والنهار.
 
مَنْ سيقاتل؟
كان علي يوسف يمضي إجازته المعتادة بمكوثه المستمر داخل المنزل، إنها سبعة أيام يحاول فيها أن يستمتع بما أوتي من قوة قبل أن يلتحق بركب المقاتلين أصدقائه، كانت حينها معركتنا ضد الإرهاب الداعشي مستمرة، وكان يلاعب طفليه كأنه يراهما لأول مرة كلما استيقظ يوماً بعد آخر، ويقبل يد أمه كلما قدمت له طعامه المفضل، ويخصص ساعة من الزمن للاتصال برفاقه هناك، في جبهات القتال، ويحاول أن يريح روحه بالسؤال عنهم والاطمئنان، اذ تلتصق يداه بجهاز هاتفه، انه خائف رغم جلوسه وسط أسرته، يخاف من غدر الأوباش، أسرة علي تراقب ملامحه كلما اعتراه الخوف، إنهم يعانون من هذا الأمر كلما اتكأ على الاريكة ماسكاً هاتفه، قالت له امه "يمه، ليش ما تبطل من الجيش ونشوفلك شغله تعيش منها انت وجهالك؟".
لم يختر علي، اذ إنه لم يكن يملك هذه الحرية، الا أنه أجابها بابتسامة زائفة، ليقول لها: "يمه اني اخاف على جماعتي لأن فقرة وعدهم عوائل، لا تخافين عليه ترة عمر الشقي بقي، واذا اني بطلت وهذاك بطل منو راح يقاتل"، بحزم قالها وبلا تردد كأنه يعلم بأن هناك من سيسأله هذا السؤال، ومنذ أكثر من خمس سنوات وعلي يرقد شهيداً مدافعاً عن الوطن 
والمقدسات.
 
من البحرية إلى الجوية
علمتنا الحروب منذ طفولتنا كيف نرشق الخوف بسهام العزيمة، فأصوات المدافع والعيارات النارية والطائرات الحربية لم تفارق حياة العراقيين قط، وبذلك خلق في داخل كل منا مقاتل ما إن لزم الأمر، الا أن أسرة جاسم اللامي قد حققت ذلك بتنوع، اذ كان اللامي قبل وفاته ضابطاً في البحرية وقد ادى واجباته مسطراً الملاحم، ليكمل من بعده ولده حيدر، ليخوض معاركه في الجو، سألناه عن هذه المفارقة، فنحن نعرف أن الولد على سر أبيه، فما الذي جعله يستبدل الأنهار بالأفق في واجباته لوطنه، فـأجابنا: "كانت أمنية والدي الالتحاق بالقوة الجوية، الا أن الظروف لم تسمح بذلك، فالتحق بالقوات النهرية، واكمل واجباته على أتم وجه، وله تاريخ مشرف بذلك، وها أنا الآن أحقق أمنيته بخدمة وطني في السماء، وكلما حلقت وجدت نفسي أتذكره، وهو في السماء يرى ما أفعله، وسأبقى صامداً الى أن نحقق السلام".
حيدر اللامي يحتفل مع زملائه في هذا اليوم بذكرى تأسيس الجيش العراق وهو متيقن بأن السلام هو هدف كل منتسب في قواتنا الباسلة، ويهنئ الشعب ونفسه بهذه المناسبة السعيدة.
 
بين الصفا والساتر
وكما اللامي يتحفنا النائب ضابط يوسف علي بأسمى صور البطولة والشجاعة، فهو احد المقاتلين منذ 10 سنين، فلم يتخلف عن قتال قط، ويحاول أن يلتزم بهذا العهد ما دام حياً، اذ يحدثنا يوسف عن مفارقته الغريبة عند أدائه مراسيم الحج، ويقول: "في تلك اللحظة التي كنت أسعى بها بين الصفا والمروة، أحسست بشعور عظيم، لقد خيل لي الساتر حينها أمام عيني، فلم أجد تفسيراً لهذا المشهد، كان كل شيء واضحاً ومقدساً، ولأن التفسيرات مبهمة، عدت لأستغرق في التفكير بالأمر، لأجد تفسيراً واحداً، وهو أن الله سبحانه وتعالى قد قال كلمته لي وأنا هناك، بأن الساتر هو المكان المقدس الذي يجب أن يحافظ عليه المقاتل، وأن يكون مدافعا مجاهدا في سبيل الله والوطن، لذلك تيقنت حينها بأنني أمتلك مهمة صعبة، ليست تكليفاً من الوطن فقط، بل من الله جل جلاله ايضا، وسأكون عند حسن الظن ما دمت
حياً".
يوسف يمسك بندقيته بقبضته القوية، ويهنئ كل اخوته المقاتلين بهذه المناسبة، ويردد كلماته التي اعتاد أن يقولها كلما تعرض لهجوم من الارهاب، اثبت ولازم وقاتل، فإن الله والوطن معك.
 
جناح الوطن
حسم طيران الجيش العديد من القتالات على أرض الوطن في معاركه ضد جرذان داعش الارهابي، وقد تفوق وهو في الأفق على العديد من الأوكار ليحطمها، اذ لم تكن مهمة الجيش هي مسك الارض فقط، اذ إن العديد من الضباط الأكفاء قد تخرجوا لخدمة وحماية سماء الوطن، المقدم علي كاظم صالح احد ضباط طيران الجيش وتشكيلاته، واحد صقورنا الأبطال من الذين احترفوا التحليق في سماء الوطن ليلعبوا دوراً مهماً في المعارك، مهددين بذلك مخططات الارهاب الغاشم، فرش جناحيه وهو يبتسم ويقول: "زادت قوة جيشنا الباسل كلما زادت التعرضات على وطننا الحبيب من قبل قوى الظلام المتمثلة بالقاعدة وداعش الارهابي والمتطرفين، فكان لزاماً علينا أن نتوجه نحو التطور وخلق أساليب حديثة وجديدة، كان لا بد من تعلمها، والإثبات على صحة قولي هو ادخال طيران الجيش طائراته في قتال الشوارع كلما تطلب الأمر، وقد حسم بهذا العديد من المعارك ببسالة جنوده الأوفياء، ومنهم من عاد سالماً، ومنهم من استشهد في سبيل الوطن، ولا يسعني الا أن أقدم التهنئة بهذا اليوم لكل من قاوم وتصدى، وادعو الله أن يرحم كل شهداء العراق الذين لولاهم لما كان هناك انتصار".
 
تأسيس الأبطال
يسرد لنا المقدم علاء العيداني المراسل الحربي لوزارة الدفاع العراقية والناطق باسم تجمع الإعلاميين الحربيين في العراق، تاريخ جيشنا الباسل ويقول: تم تأسيس الجيش العراقي الباسل في عام 1921 في اول فوج وهو فوج الامام موسى الكاظم (عليه السلام)، في خان يقع في الكاظمية المقدسة ثم بعد ذلك تم تأسيس فوج المشاة لتتوالى بعدها الوحدات العسكرية بالتأسيس والتشكيل حتى وصل ذروته في زمن الملكية في عام 1936، فقد تأسست حينها القوة الجوية وباقي التشكيلات البحرية وحتى وصولنا الى عام 2003، حيث انهيار المؤسسة العسكرية ومن ثم تم التأسيس من جديد، اذ كانت نواته فرقة التدخل السريع الاولى عندها وبدأ الجيش بمحاربة القاعدة لينتصر عليها، ومن ثم بعد ذلك تمت خطة فرض القانون وخطة بغداد لاستتباب الأمن في المحافظات العراقية ليستعيد الجيش العراقي قوته بعد ذلك، اذ كانت تعد الكلية العسكرية العراقية رابع أفضل كلية عسكرية في العالم، واليوم العراق يحتفل بالذكرى الـ (101)  لتأسيس الجيش العراقي، فكل عام وجيشنا الباسل بألف خير، واللهم ارحم شهداءنا الأبرار وشافي جرحانا، واجعل العراق بلداً آمناً، وسنكون باذنه تعالى تلك السيوف البتارة التي ستقطع يد كل من يحاول المساس بأرضنا الحبيبة.