مشاهير المواقع الإلكترونية ... الجزء المر على الأطفال والمراهقين

ريبورتاج 2022/01/11
...

 بدور العامري 
بدت عفاف مستغربة من تصرفات طفلها البالغ من العمر 7 سنوات بعد ترديده لكلمات وعبارات بعيدة عن الذوق والأخلاق التي اتصفت بها أسرته، متباهيا أنه تعلمها من أحد مشاهير اليوتيوب، مشكلة اجتماعية أخرى يمكن وصفها ضريبة الاستخدام غير المنظم للتكنولوجيا الحديثة، تأثر الأبناء بتصرفات وسلوكيات مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، الأسباب والحلول نستعرضها مع المختصين في هذا الشأن.
القدوة
الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي تحدث لـ(الصباح) عن هذا الموضوع بشيء من التفصيل قائلا: إن قضية التنشئة الاجتماعية لها أنماطٌ متعددةٌ منها نمط القدوة، اذ كانت القدوة تدرّسُ سابقا عن طريق مجالس العشيرة او المنطقة (المضايف) عندما يقوم الشيخ بالحديث عن تلك الشخصية ذات الصفات الحميدة، مثل (الكرم والشجاعة والإيثار والجود بالنفس)، خاصة في المناطق الريفية، ثم انتقلت الى التلفاز كذلك المدارس والكتب.
 اذ نجد في كل فترة زمنية هناك مصدر يقدّم لنا نماذج القدوة، لكن مع التطورات الحاصلة وتسارع إيقاع الحياة، واتساع استخدام التكنولوجيا الحديثة، ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي لتقدم لنا شخصيات مختلفة الأفكار والمحتوى، بعيدا عن التنظيم والتشذيب، مثل كون المعروض مناسبا لهذه الفئة العمرية او تلك، علما إن المراهقين والأطفال ليس لديهم استعداد للتفكير المنطقي والالتزام بالمبادئ
 والقيم.
 
حرمان
ويتابع الخفاجي بخصوص تفسير ظاهرة اتخاذ المشاهير كقدوة لأفراد بصورة عامة والمراهقين على وجه الخصوص، اذ يقول «في حال تعرض الشخص في فترة معينة من حياته الى حرمان من ممارسة هواية معينة او نشاط رياضي او فني، فإنه سيجد في مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي نماذج قدوة لهم، حيث يصل الامر الى تقليد سلوكياتهم اومظهرهم الخارجي، مثل تسريحة الشعر
والملابس. 
وبحسب رأي الخفاجي هناك تفسير آخر لمسألة تقليد المشاهير، وهو موضوع التاثير في هوايات الأشخاص التي يصعب تطبيقها على أرض الواقع نتيجة لظروف خاصة، إذ أصبح بإمكانهم تفريغ طاقاتهم المكتومة في مجال العالم الافتراضي ومشاهيره، باعتباره فضاءً مفتوحاً ومباحاً للجميع من دون عناء أو تكلفة مادية. 
 
التفكك الأسري
المختصة النفسية والارشادية مروة مشالي ترى أن غياب دور الأسرة في المتابعة والتوجيه سببٌ أساسيٌّ في تنامي هذه الظاهرة، إذ تقول «نتيجة لغياب التواصل الأسري بين الأبناء والوالدين داخل الأسرة الواحدة، نجد غالبية الأطفال والمراهقين يتوجهون الى مشاهير الانترنت ومتابعتهم باعتبارهم القدوة بالنسبة لهم، والسبب هو التفكك الأسري وغياب دور الأم والأب اللذين يجب أن يكونا القدوة الحسنة والمثل الأعلى للأطفال، خاصة إذا علمنا أن الأطفال يتعلمون ما يشاهدونه وليس مايسمعونه، بمعنى «الأفعال وليس الأقوال». 
وأشارت مشالي الى أهمية دور الأسرة في التهيئة المستمرة من خلال النصح والتوجيه للأبناء خلال مسيرة التربية بما يتناسب مع مرحلتهم العمرية والفروق الفردية بينهم، إضافة الى تعريفهم على أن هناك فروقاتٍ كثيرةً بين المجتمعات، كنوع من التهيئة التي تساعد الطفل على التأني والتفكير قبل الانخراط بأي نوع من المؤثرات الدخيلة على ثقافتنا
ومجتمعنا.
 
 تسويق
مسألة محاولة كسب أكبر عدد من المتابعين وبالتالي تحقيق عوائد مادية كبيرة عن طريق الإعلانات وتسويق السلع خلال فترات بث المقاطع الخاصة بهؤلاء المشاهير، دفعت عددا كبيرا منهم الى تبني أساليب معينة لجذب انتباه المتابع، بغض النظر عن قيمة المحتوى او خضوعه لمعايير أخلاقية معينة، إذ تبين المختصة النفسية مروة مشالي أن نسبةً كبيرةً من هؤلاء المشاهير عملوا على عرض حياتهم الشخصية على الملء في محاولة لاقناع المتابعين بسلوكيات وأساليب غالبا ما تكون غير
واقعية. 
وهذا ما أيدته السيدة هدى يونس ذات (49 عاما) في ما يخص معاناتها مع ابنتها المراهقة «كثيرا ما أواجه مشكلات وصعوبات في التعامل مع ابنتي رغد في ما يتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية لأسرتنا، مثل لماذا لا نجد حياتنا مليئة بالمغامرات والسفر والهدايا كما هو حال أسرة (فلان وفلانه)، وهم من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي. 
وتضيف السيدة هدى أن أغلب حواراتها مع ابنتها تنتهي بالخلاف والخصام نتيجة لتعلقها وتقليدها لحياة المشاهير.
 
إجراءات أمان
لحماية الأطفال من التأثير السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي ومشاهيره حددت المختصة النفسية مروة مشالي عددا من النقاط الواجب على الأسرة اتباعها، مثل عدم تملك الطفل لجهاز الكتروني خاص به، كذلك مراقبة المحتوى الذي يتابعه الأبناء، ومساعدتهم في تحديد ما يرغبون به من خلال توفير محتويات هادفة
ونافعة. 
إضافة الى تقنين ساعات الاستخدام الالكتروني مما يتيح للأطفال الانخراط بأنشطة مفيدة، وتكون مساحة مناسبة لتفريغ طاقاتهم والتعبير عن
أفكارهم. 
إذ من الممكن أن يسهم المشاهير من ذوي المحتوى الهادف بدور إيجابي في التاثير على سلوك وتوجهات الأطفال، في حال تم تبويبها في مجال التنشئة الاجتماعية، وهنا يأتي دور الأسرة والوالدين في صقل تلك الموهبة وتنميتها.