مصطفى مجيد
جلس الحاج منهل ريكان 69 عاما، على كرسيه امام ورشته في منطقة الصالحية منذ ساعات الصباح الاولى، كما تعود منذ اعوام طويلة وهو يسبح بمسبحته مقلبا عينيه يمين الشارع ويساره، باحثا بعينيه ربما عن زبون طال انتظاره لأثاثه وغرف النوم التي اشتهر بين اقرانه إنه الافضل بصنعها في ورشته التي يعمل بها منذ ورث المهنة عن والده منذ اكثر من 50 عاما. وتعاني ورش ومعامل النجارة اسوة بالكثير من الصناعات المحلية والحرفية في البلاد، من كساد كبير في اسواقها كنتيجة حتمية لما حصل من اغراق سلعي غير مدروس بعد العام 2003 والمستمر حتى الان.
والذي طال جميع المنتجات المحلية بلا استثناء، ومنها سوق الصناعات الخشبية ومعاملها وورشها التي تراجعت بشكل كبير.
اكتظاظ
وبدأ الحاج ريكان حديثه بعد أن نفث همومه مع دخان سيجارته بالقول إن «الكثير من ورش النجارة العتيدة أغلقت أبوابها، وترك أصحابها مهنهم الى غير رجعة»، مرجعا ذلك الى «اكتظاظ الاسواق المحلية بالاثاث وغرف النوم بمختلف الاحجام والموديلات ومن صناعات ماليزية وصينية ومصرية وتركية وبأسعار تنافس المحلي بشكل واسع، ما انعكس كثيرا على واقع المهنة وحرفييها».
اما الحاج علي الدلفي ذوو الـ 71 عاما والذي يمتلك ورشة للنجارة في منطقة الشعب، فأضاف سببا اخر لتراجع سوق النجارة المحلية، متمثلا بـ«الكلف الباهظة للمواد الاولية المستعملة في عملهم، كخشب الزان الذي يستورد حصرا من اميركا وروسيا ورومانيا والمستعمل للاثاث المحفور او الكلاسيكي، علاوة على ارتفاع اسعار مكائن النجارة لاسيما الايطالية والمختصة بأعمال الحفر والنقش، اضافة الى ارتفاع اجور العمل بسبب الانقطاعات المستمرة للكهرباء والايجار وخدمات التشغيل الاخرى، ناهيك عن النقص الكبير بحرفييها الذين فضلوا اللجوء الى مهن اخرى تؤمن سبل العيش لهم ولأسرهم».
خلق توازن
من جانبه لفت الخبير الاقتصادي نافع عبد الامير الى أن «المهن الحرفية عانت ولا تزال تعاني من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه الاسواق العراقية من عشوائية الاستيراد المستمرة منذ ما يقارب الـ 18 عاما والتي شملت جميع البضائع المصنعة محليا دون استثناء»، منبها على أن «دخولها كمنافس حقيقي ضد صناعات ومهن ازدهرت لحقب طويلة بقطاعات متنوعة حكومية او خاصة ويعد بعضها تراثيا، يدق ناقوس الخطر ويتطلب وقفة من الجهات المختصة وذات العلاقة لإيجاد الحلول الناجعة لذلك وبأسرع وقت
ممكن».
وطرح أحد الحلول الممكنة التنفيذ لذلك بالقول انها «تتمثل بخلق توازن بين المنتوج المحلي والمستورد، باعتماد تطوير قدرة الوصول لذلك الى الطرف المحلي، من خلال قروض بفائدة مخفضة وآجال طويلة وتحدد مبالغها اعتمادا على دراسات جدوى، ليتم منحها من قبل الجهات المختصة اسوة بالمصرف الصناعي الى اصحاب ورش ومعامل النجارة».
خطورة المستورد
وبين الخبير عبد الامير أنه «وبرغم الظروف الاستثنائية السالفة الذكر التي تواجه ورش ومعامل النجارة في البلاد، فلا تزال تطرح منتجاتها المختلفة، وهناك اقبال عليها يعد مقبولا الى حد ما، بسبب رصانة المواد المستخدمة في انتاجها وطريقة الصنع، برغم ارتفاع اسعارها مقارنة بالمستورد
منها».
ويؤكد الحاج منهل ريكان كلام الخبير الاقتصادي بالقول أن «رخص الاثاث المستورد يعود الى إن مصنعيه لا يستعملون اللوائح الخشب أيا كانت انواعها كما هو معتاد ومعروف، بل يستعملون بدلا منها ما يعرف بخشب (المدف) وهو عبارة عن نشارة خشب مضغوطة حراريا بمكابس مختصة على شكل الواح خشب مصقولة ومعالجة بمواد كيميائية، والتي لا يتحمل الاثاث المصنوع منها ان يتم فكه وربطه مرات
عدة.
كما انه يتعرض للتفكك اذا تعرض للرطوبة او اي ضغط بسيط، مقارنة بالمصنع محليا لا سيما من خشب (الصاج) الذي يبقى لعشرات الاعوام دون ان يتقشر او
يتفكك».
انهى الحاج ريكان كلامه منتبها الى أن الشمس بدأت تميل نحو الافق معلنة المغيب، ونهض متثاقل الخطوات، ليبدأ خطوات اقفال محله المعتادة، ليعود الى منزله خالي الوفاض، اسوة بأيام كثيرة مرت، ممنيا النفس بأن يحمل صباح اليوم التالي رزقا يدق بابه من
جديد.