مصطفى منير
عندما تسافر لأي دولة أجنبية وأنت تجري وتخرج من مطارها تجد أمامك موقفا للمركبات لتستقل إحداهن، وخلال طريقك إلى الفندق تنظر من زجاج المركبة إلى شوارع منظمة باحترافية عالية جراء تخصيص مرائب لحمل الوفود والمسافرين، ومحطات مخصصة لوقوف الحافلات لغرض حمل ونزول الركاب منها، لمنع الوقوف العشوائي الذي يعرقل حركة السير، فضلا عن استخدامهم أساليب لتشجيع المواطنين على النقل الجماعي العام وبتكلفة منخفضة لتقليل زخم السيارات وزيادة الوعي المروري، وهذا ما يفتقر إليه العراق.
فرصة ركوب
مريم علاء (19عاما) طالبة في كلية الهندسة بجامعة بغداد في منطقة الجادرية، تروي لنا تأخرها في الرجوع الى المنزل، وتقول بحسرة: «عندما أخرج من الجامعة أقف نصف ساعة لانتظار حافلة، وعندما تأتي يذهب الطلاب والموظفون إليها مسرعين ولا أستطيع التسارع معهم لكوني امرأة، وقد أتأخر نصف ساعة أو أكثر لغرض الحصول على فرصة أخرى للركوب بإحدى المركبات».
وتضيف علاء «تقاطع جامعة بغداد يعاني من قلة وسائل النقل بالرغم من وجود حافلات وباصات كبيرة، إلا أنها لا تستوعب الكم الهائل من الطلبة، فضلاً عن ان وقوفهم في الشارع قد يعطل حركة السير».
تستدرك حديثها «أتمنى أن يتم إنشاء موقف للحافلات وتحديد أوقات انطلاقهن، حتى لا نقف وننتظر المركبات في أوقات متأخرة من النهار».
وفي الخصوص نفسه تحدث لـ (الصباح) العميد حيدر كريم مدير العلاقات والإعلام لمديرية المرور العامة بأن «مديريتنا طالبت الجهات المعنية بإنشاء مرأب قرب تقاطع جامعة بغداد لكي يستوعب أعداد الطلبة ويكون مخصصا لمركبات النقل الجماعي العام، لتقليل الزخم المروري، فضلاً عن إنشاء جسور للمشاة قرب الجامعات، لأن عبور الطلبة وتجمعهم قد يعرقل حركة السير».
نقل عشوائي
وعن أبرز عمل لمديرية المرور العامة، قال كريم، بأن «دورنا هو تنظيم حركة السير ومنع وقوف المركبات بصورة عشوائية في ظل كثافة للمركبات التي قاربت ٣ ملايين مركبة في بغداد».
ولفت كريم إلى أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق المواطن، لكون التنظيم يأتي من ثقافته في قيادة المركبة وكيفية وقوفه في الشوارع العامة، فلا بد من زيادة الوعي المروري لدى بعض أصحاب المركبات، حتى نتمكن من امتصاص الزخم الحاصل».
وفي أثناء رجوعي من جريدة الصباح، التقيت بمرتضى حامد صاحب مركبة لنقل الركاب في إحدى مناطق الرصافة،عندما سألته عن عدم تواجده في المرأب المخصص لحمل الركاب، أجابني قائلاً: «في حال لم أقف في الشارع غيري سيقف، والمرأب يعتمد على نظام الدور وهذا سيعطلني ويجعل عملي ينخفض».
تسجيل رسمي
«لا نستطيع السيطرة على النقل العشوائي ما لم يتعاون معنا أصحاب المركبات لغرض تسجيلهم بشكل رسمي وقانوني، وللأسف الشديد أصبح الموظف يتنافس مع أصحاب المركبات في شراء مركبة والعمل بها بالرغم من الراتب الحكومي الذي يتقاضاه»، بهذه العبارة ابتدأ حيدر الزبيدي مدير العلاقات والإعلام للشركة العامة لإدارة النقل الخاص حديثه.
وزاد بأن «الشركة العامة تقوم بالتنسيق مع القوات الأمنية والمرور على إدخال المركبات داخل المرائب لكي نستطيع تنظيم عملية النقل وتقليل الزخم المروري، فضلاً عن المحافظة على حقوق أصحاب المركبات».
مشيراً إلى أن الآلية في تنظيم عمل المركبات داخل المرائب يعتمد على نظام الدور بشكل عادل للجميع، بينما النقل العشوائي يسبب عرقلة في حركة السير ويبخس حق أصحاب المركبات المسجلة لدى المرائب الرسمية الذين ينتظرون ساعات كثيرة في المرأب لغرض الحصول على الركاب».
معلومات كاملة
ويستذكر الزبيدي بأنه «قبل أعوام دخل مجرم إلى المرأب لركوب حافلة، وبعد رؤية الكاميرات المخصصة للمرأب تمكنت القوات الأمنية من إلقاء القبض عليه بعد تحديد مكان هروبه عن طريق المركبة التي ركبها من المرأب».
وأفاد الزبيدي بأن مثل هذه الحالات تستطيع القوات الأمنية من السيطرة عليها بسبب توافر معلومات كاملة عن أصحاب المركبات ومعرفة خطوط النقل ومواعيد انطلاق الحافلات، بينما في النقل العشوائي يكون الأمر أصعب بسبب عدم توافر الكاميرات في كل مكان».
ستراتيجيّة حقيقيّة
الخبير الستراتيجي محمد فخري المولى تحدث لـ (الصباح) فقال: «النقل العشوائي هو الصفة الغالبة لما يجري الآن من نقل خاص ونقل عام، فالقطاع الخاص لم يراعِ ضوابط وقوانين هيأة النقل العامة، والقطاع الحكومي يشكو من قلة التخصيصات المالية بسبب جائحة كورونا وارتفاع سعر صرف الدولار، وهذه المعوقات ألقت بظلالها على المواطن العراقي الذي بات يعاني من زخم مروري، بسبب زيادة السيارات في بغداد، يصاحبه عدم الاهتمام بالنقل الجماعي العام».
ويسرد المولى «يجب على الهيأة العامة للنقل أن تكون ستراتيجيتها الحقيقية هي تنظيم عمل المركبات بشكل إداري عبر مرائب ومحطات لوقوف المركبات بتوقيات محددة، مع أخذ الرسوم الرمزية من أصحاب المركبات ومحاسبة كل من يتجاوز على الشوارع العامة لأنها ملك للجميع».
واختتم حديثه بالقول: «اذا تمكنا من الوصول إلى هذه الستراتيجية نستطيع أن نردد بأننا متقدمون ونسير بالاتجاه الصحيح، لأن البقاء على فوضى يعتاش عليها أصحاب المركبات وبعض المتنفعين لا يعكس الوجه الحضاري لبغداد».
مسؤولية من؟
مدير الإعلام في أمانة بغداد رفض التصريح لنا، بحجة أن هذه القضية ليست من مسؤوليتهم وهي مسؤولية النقل، بينما الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط بالرغم من سؤالي له عن خطط الوزارة عن المشاريع التي تشمل مواقف المركبات، لم يدلِ لنا بأية معلومة وقال: «لازم اسأل لك وآخذ موافقات»!، فهل حلمنا بتنظيم واقع النقل صار ينتظر كما انتظر اجابة المعنيين على تساؤلاتنا!؟.