علي حسن الفواز
الديون التي يفرضها البنك الدولي سياسية، أكثر من كونها اقتصادية، ولأن أغلبها على الدول النامية والأكثر فقراً، فإن اقترانها بالطابع السياسي يجعلها تتحول إلى وسائل قهرية للضغط والاحتواء، ولفرض الإرادات، وبما يجعل تلك الدول خاضعة إلى سياسات التدجين والتطويع، والمديونية طويلة الأمد، جرّاء الفوائد الكبيرة التي تفرض عليها.
طابع الديون يخضع من جانب آخر إلى سياسات إطارية، يضع البنك الدولي حدودها وشروطها، أولاها تحرير الأسعار، ورفع الدعم الحكومي عن السلع، وإخضاع الضرائب إلى نوع من الحمائية التي تحوّل عالم تلك الدول إلى أسواق مفتوحة، وبقطع النظر عن "الرومانسية الاقتصادية" التي تطرحها أدبيات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، فإن مركزيات الإدارة السياسية تظل هي المهيمن، وهي الحاكم الذي يؤكد النظرية الرأسمالية القديمة التي تقول بأن الفقراء يزدادون فقراً، والأغنياء يزدادون غنى.
أكثر أخطار تلك السياسات يكمن في تهديدها لبرامج وأهداف التنميات البشرية والاقتصادية، وتحجيم حركة المال الوطني في الأسواق الناشئة في تلك الدول، التي ستجد في سياسة البنك الدولي، ملاذها الاضطراري، بوصفه ممولا، وداعما، لكن بالشروط الصعبة والمعقدة، التي تعني تسليم قيادها للتوجهات السياسية الدولية، لاسيما أن الظروف العالمية ما بعد جائحة كورونا أسهمت في خفض نشاط وإنعاش البرامج الاقتصادية، وتحسين الدخل القومي للأفراد في تلك الدول، وبرغم الدعوات الدولية لهيكلة تلك الديون وجدولتها، فإن تعالقها بالشروط السياسية وتوجهاتها، يجعلها الأكثر تهديدا للاقتصادات الوطنية في تلك الدول، وفي تعقيد الواقع المعيشي لمواطنيها، وصولا إلى الإخلال بسياداتها الوطنية، لأن الشروط صعبة، وتطبيقها أصعب، ومعدلات الفائدة فيها ستجعلها في دوامة البحث عن الدائن السياسي الكبير.
ولعل ما صرّح به ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي بأن " 60 % من الدول متدنية الدخل تواجه خطرا كبيرا للمديونية المفرطة"، يكشف عن طبيعة الأخطار المحتملة التي تواجهها السياسات الاقتصادية والأسواق الناشئة فيها، وأن تفعيل "الإطار المشترك" كما سماه، وإعادة هيكلة الديون، ستكون محدودة، لأن الدول الكبرى، لاسيما "مجموعة العشرين" التي ترسم أغلب مرجعيات تلك الديون، ستفرض سياساتها التي لا يمكن عزلها عن المواقف التي تصنعها الأسواق ذاتها.