مآب عامر
عندما قررت عبير محمود العمل قبل (5) أعوام محاسبة في إحدى الشركات، كانت تعلم أن مواجهة الضغوط التي تثقل كاهلها من مسؤوليات الدوام والمنزل ورعاية زوجها وطفلها ستكون مهمة صعبة.
فعبير التي لم تتجاوز الـ(37 عاماً) من عمرها، كانت دوماً عندما تشعر بالاختناق والضيق من تلك الضغوط تحاول أن تقنع نفسها، بأن ما يطيب خاطرها ويعينها على الصمود والاستمرار، هو دفء زوجها وإعانته لها ولو حتى بكلمة طيبة، فهذا الأمر يمثل لها الكثير، إذ كانت معتادة طيلة الأعوام الخمسة الماضية على أن تردد عبارة "ان زوجي ليس له نصيب مع العمل.. أنا أعمل ووجوده بجانبي يكفيني"، لكل من يستغرب من أنها هي المسؤولة عن العمل وتوفير لقمة العيش، بينما زوجها عاطل.
لم يكن الراتب الشهري الذي تحصل عليه عبير يوفر متطلبات المعيشة اليومية وسد احتياجاتهم لأسرة تتكون من ثلاثة أفراد، لذلك لجأت وبشكل متقطع للعمل كمندوبة الكترونية لأحد متاجر (الميك اب) مقابل بعض الاجور الزهيدة، التي تعين أسرتها الصغيرة. ولكن حتى وقت قريب اكتشفت عبير علاقة زوجها بامرأة أخرى.
تمويل
شيوع مسألة اتكال الزوج على زوجته بالعمل والمصاريف المنزلية، وبحث الآخرين عن زوجات من الموظفات أو من يتمتعن بالاستقرار المادي أصبح موضة وتفاخرا عند بعض الشباب، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل ويمول الزوج العاطل عن العمل علاقاته العاطفية وعزوماته مع اصحابه من جيب زوجته الكادحة.
من جانبها، تؤكد الباحثة الاجتماعية وداد ناجي أن ظهور الكثير من السلوكيات والعادات الشاذة على المجتمع العراقي المحافظ ومن ضمنها اعتماد الرجل على المرأة في توفير لقمة العيش، كان بداية مع سنوات الحصار الاقتصادي والجوع والقحط في تسعينيات القرن الماضي، حيث تشتغل الزوجة لتساند زوجها العاطل عن العمل في توفير الاحتياجات اللازمة، أما اليوم فقد تغير الحال، إذ بات بحث الرجل وإن كان عاطلا عن امرأة عاملة أو موظفة للاقتران بها مسألة طبيعية ومن ضمن المخطط له، خاصة في ظل تأخر سن الزواج في البلاد.
فراغ
بعض الأزواج، بحسب الخبيرة، كان يعمل في بداية زواجه ولكن بفعل الازمات الاقتصادية التي عصفت في البلاد، دفعت ليكون بين ليلة وضحاها عاطلا عن العمل، فاضطر للاستعانة بشريكته التي كانت تعمل قبل أن يتزوجا، حتى يتجنبا الانفصال، فكثيرات يواجهن صعوبة عدم تقبلهن من أسرهن كمطلقات. لذا يستمر التمويل.
كثيرون منحوا زوجاتهم أدوارا تتطلب تحمل المسؤولية كافة، للتخلص منها مقابل العيش بحرية ومن دون تعب، فتجد بعض هؤلاء الأزواج يقضون أوقاتهم في إقامة علاقات غرامية لشدة الفراغ العاطفي، الذي يشعرون به جراء انشغال زوجاتهم بالعمل خارج المنزل وداخله، وفق تعبيرها.
إحصائيات
وفق بيانات وزارة التخطيط العراقية فإن أقل من 8 بالمئة من النساء المستعدات للعمل ينجحن في الحصول على عمل فعلاً، اذ يسجل العراق رقما قياسيا في غياب المساواة الجندرية، فهو يأتي في ثاني أدنى مرتبة بنسبة العمالة النسائية من بين 130 دولة، بما في ذلك دول الجوار.
وتظهر بيانات البنك الدولي، أن النسبة العامة للعمالة النسائية في الشرق الاوسط ارتفعت من 15 بالمئة الى 16 بالمئة بين عامي 2014 و2017، الا أن العراق شهد هبوطاً في نسبة تلك العمالة من 11 بالمئة الى 8 بالمئة خلال الفترة نفسها.
خزينة الأموال
كما إن اعتياد بعض الرجال في الحصول على المال بشكل سهل وغير مجهد، كما تضيف الباحثة، قد يدفعهم الأمر لفعل أي شيء مقابل ألا ينقطع، وهو ما يفسر أيضا تزايد حالات العنف الأسري، ومقاطعة العلاقات الزوجية، فضلاً عن محاربة الزوج النفسية لزوجته كأن يهددها بين الحين والآخر بالانفصال عنها أو يحاول اهمالها بطريقة ما وعدم احترامها. فوجودها معه لم يكن سوى خزينة للاموال.
ووفقاً لمنظمة بنا، فأن "73 بالمئة من النساء تعرضن للعنف الجسدي من قبل الزوج او أحد أفراد الأسرة، وبعضهن تعرضن لأنواع مختلفة من العنف تصل إلى حد الشروع بالقتل".
قدمت عبير شكوى للطلاق في المحاكم القضائية، بعد متابعتها لفيلم (إحكي يا شهرزاد) وعلى الخصوص لمشهد داخل المطعم بين سوسن بدر وحسين الامام، كما تقول عبير، وتضيف "قوة إصرار سوسن بدر في دورها بالفيلم، هي التي دفعتني لاتخذ قراري بصلابة، لقد كان لزوجي الكثير من العلاقات الغرامية ولم اكن أعلم. وعندما سألته عن السبب اخبرني أنني كنت أردد دوماً عبارة (أنا متعبة ولدي عمل) أين حقوقه كزوج لك؟.