«الباد بوي».. موضة تستهوي الشباب المتمردين على قيود المجتمع

ريبورتاج 2022/01/17
...

 عبدالله فرج 
تنتشر بين أوساط شبابية ظاهرة ارتداء زي الباد بوي، ما يشكل حالة غير مألوفة وسط مجتمع يصنف انه محافظ، فالترجمة الحرفية لهذه الكلمة تعني «الولد السيئ»، بالتالي كل من يرتدي هذا الزي يقع ضمن هذا المفهوم. ولعل من يختاره زيا له قد وقع تحت اغراء التسمية قبل غيرها، بسبب رغبة جامحة في التميّز والاختلاف والتمرد. 
 
«الباد بوي»، عبارة عن مجموعة أزياء واكسسوارات غير تقليدية يكون فيها البنطال واسعاً وقصيراً، وكذلك التيشيرت يكون طويلاً وواسعاً ايضاً، فضلاً عن أن مرتديها يعلقون المشاكل في آذانهم احياناً، لكن على الأغلب نجد أن الاكسسوارات تملأ أيديهم. 
 
أيقونة التمرد
أحد مرتدي «الباد بوي» مدين مجيد، عدّ هذا الزّي في حديث لـ «الصباح»، «أيقونة لتمرد الشباب على العادات والتقاليد البالية». 
إن «الباد بوي» من وجهة نظر مجيد، ليس زياً فقط: اذ قال «بداية لو حاولنا تناول المصطلح بشكل سطحي فهو يعني الولد السيئ المتمرد المتملص من المسؤولية وغير المبالي بالعادات والتقاليد، لكن ما يميز هؤلاء الشبان أنهم يتمتعون بكاريزما من نوع خاص، ما يدفعهم إلى ارتداء أزياء مختلفة عن المألوف». 
ويجادل مجيد فكرة أن مرتدي هذه الأزياء هم متملصون من المسؤوليات، ويجد أنه مع مرور الوقت، «بدأت هذه الظاهرة تأخذ منحى دلالياً مختلفاً عن المذكور في اعلاه؛ فهي تصبح يوماً بعد يوم أيقونة لتمرد شريحة من الشباب على العادات و التقاليد البالية: نبذ ما هو غير متجدد منها».ويأمل مجيد أن تحرك هذه الظاهرة حركة الوعي لدى الشباب، باتجاه ما يخلص المجتمع من تابوهات فجة، بحسب وجهة نظره.
ويعتقد المتحدث أن «الباد بوي لم تعد شكلاً خارج المألوف، بل هي اليوم ظاهرة لها سلوك شبه اجتماعي، وتؤسس لحلقات شبابية مختلطة، تذهب باتجاهات فنية على الأغلب، لكنها قد تصبح حركة واعية باتجاه أهداف، أهمها تأسيس شكل اجتماعي جديد، كمحاولة لهدم أشكال الأعراف والتقاليد النمطية السائدة، التي اصبحنا نراها حصاراً وقيوداً اجتماعية». 
 
التغيير.. حاجة اجتماعيَّة
ويبدو أنه من الصعب أن تجرى احاطة بأصل الظواهر الاجتماعية، وكيفية نشوئها بسبب ارتباطها بظواهر أخرى؛ فظاهرة الأزياء بشكل عام، ومن بينها «الباد بوي»، لا يمكن أن تنفصل عن مجمل المشهد الاجتماعي بتفرعاته الاقتصادية والسياسية والثقافية، هذا ما أدلى به أستاذ علم النفس في جامعة بغداد، د. سلمان كيوش، تعليقاً على الظاهرة. 
ويقول كيو لـ «الصباح»: «إننا متفقون على أن الرغبة في التغيير هي حاجة انسانية معروفة ومتوقعة؛ فالألفة مع الأشياء واعتيادها ينحازان بنا إلى الملل، غير أننا يجب أن نفرّق بين الرغبة في التغيير الناجم عن الملل وتغيير آخر لا يبدو إلا تمرداً ورغبة تستبطن الانحياز إلى الفوضى والانتصار للحياة المنفلتة الخالية من الضوابط».
ويعد كيوش نشوء ظواهر الأزياء غير المألوفة في مجتمع صناعي ينتهج نظاماً سياسياً ليبرالياً، تسوده ثقافة حرّة «شيئاً طبيعياً»، مردفاً «لكن غير المفهوم هو انتقال الموضة بكل تفاصيلها إلى مجتمع آخر مختلف كلياً، وتسوده ثقافة أبسط ما يقال عنها أنها محافظة!». 
ويضيف كيوش في حديثه: «أرى أن هذا هو الأمر الذي يدعو للوقفة المتأنية؛ فمَنْ يصنع لا يمكن أن يشبه من يكتفي بالاستهلاك من حيث القدرة على فهم الدواعي للتغيير وملاءمتها لمجمل تفاصيل الحياة ابتداءً من نوع الثقافة السائدة وانتهاء بالمناخ». ويحصر كيوش تفسير هذه الظاهرة بين شبابنا بوصفه أنه «خواء».
ويواصل حديثه: «أعني بالخواء هنا النقص الحادّ في حصيلة البنية الثقافية، والإيمان بجدواها، إن المعادلة، التي يمكن الركون إليها في تفسير التهالك على الأزياء وتقليدها بطريقة تخلو من أي شكل من أشكال النقد، غاية في البساطة، ويمكن ايجازها بالآتي: معرفةٌ وقناعةٌ بنوع الثقافة السائدة في مجتمع ما، تعني امتلاء أهلها بها وبجدواها، وستفضي إلى العزوف النسبيّ عن محاكاة غيرها، وأعني بكلمة النسبيّ هنا أن لا ضير من الأخذ بأنماط الحياة وتفاصيلها إن كانت المصلحة المتفق عليها فيها مضمونة».
 
«لا يملكون فكرة عنها»
احمد عباس العدواني، مصمم وباترونست يعمل في الدار العراقية للأزياء، ينبه الى أن ظاهرة (الباد بوي) في عالم الأزياء التقليدية «ليست موضة ولا زياً، إنما قطع مقلدة من أزياء غربية، وأغلب الأشخاص المرتدين لها ليست لديهم فكرة أصلاً عن هذا الموديل ومن أين أتى». ويبرر المصمم ارتداء الشباب لهذا النوع من الزيّ «لكونه شيئاً غريباً عن الأزياء المتعارف عليها مجتمعياً، وأرى أنهم يجدون فيه شيئاً مكملاً لشخصياتهم». ويخلص عباس إلى نعت هذه الأزياء بأنها تشكل حالة «نشاز» بالنسبة للزي المألوف لدى المجتمع، لافتاً الى أنه «له علاقة بالوعي الشبابي، ولو نظرنا لمن يرتدي هذا الزي، سنجده بعيداً عن الثقافة العامة وثقافة الأزياء».