هل لا يزال المُعلم سُلطةً تربويَّةً مؤثرةً في الأجيال

ريبورتاج 2022/01/25
...

 نادية سامي
ندى طالبِة تدرُس في إحدى مدارِس بغداد في مرحَلتِها الثانوية، هي كــباقي زميلاتها لديها موهبة، كانت تحبُّ الكِتابة كثيراً، وتكتبُ كل ما يحصل في يومها على شكل قِصة، في يوم من الأيام ندى أخذت دفتر قصصها معها لتريه الى زميلاتِها، بهذهِ الأثناء دخلت عليهم المدرِسة فوضعت ندى الدفترَ مع كِتابُها على الرحلة، وإذ بالمدرِسة تراه، ارتبكت ندى لكِن المدرِسة لمْ تقل شيئاً، بل شجعتَها وقامَت بالثناء عليها وقالت لها (استمري يا ندى أسلوبكِ جميل في الكِتابة)، وأكملت المدرِسة حِصتها في هذهِ الأثناء، أحست ندى بالفرح والسرور لما سَمعتهُ من كلام أسعَدها وعِندما انتهى الدرس، ودخَلت مدرِسة مادة أخرى كانت حازمة بعض الشيء. 
 
أثناء ما كانت ندى تدخِل كتُب المادة الأولى وتُحظِر الكُتب الحِصة الثانية، وبما أنَ ندى جالِسة في مُقدِمة الصف، فـشاهدت المُدرِسة دفتر القصص الخاص بندى، وإذ بِها تأخذهُ وتتصفحُ بِهِ وهي غير مُبالية وقالت بـاستِهزاء «ماهذهِ التفاهة؟، أفضل من هذا الكلام الفارِغ لو تركِزينَ في مُذاكرتُكِ، أنتِ فاشلة) وأمضت تُكمل الحِصة، لكِنْ كلِمات المُدرِسة وقع كالرِصاص على نفس ندى ما جعلها تهجُر الكتابة والى الأبد.
 
الرسول
فالتعليم قبل أن يكون مهنة هو رِسالة تربوية، أي يجب على المعلم أو التدريسي أن ينتقي الكلام المُناسِب وطريقة مُناسِبة للكلام مع الطالب وخاصةً في مرحلة الابتدائية، وذلكَ لأن الطالب في هذهِ المرحلة هو ناقلٌ لكُل ما يُطرح عليهِ من أفكار من كلام، لذلِك على المُعلِمِ أن يكون لطيفا بتعامُله مع الطالب، لأنهُ في صدد إعداد جيل في المُستقبل، فمنذُ بداية عشرينات القرن الماضي أُصدِرَ قرار أنَّ التعليم يكون مجانيا في مرحلتِه الابتدائية وبتكاليف أقل في مراحله الأخرى، مما يثبتُ أنَّ العِراق بلد العِلم والعُلماء، ففي القِدم كانوا جميع البُلدان يتسابقون مِنْ أجل أخذ العِلمِ والمعرِفة من بغداد دار السلام، لكِن في ظِلِّ الحروب والأزمات كُل بَلد يتغير من جميع النواحي ويضعَف، ومن المُتغيرات التي حدثت في بلدِنا هو انهيار المؤسسات التعليمية وضعف كوادرِها، لكِن تبقى نسبة قليلة ظلت مُحافِظة على الروح نفسها والمهنية الأصيلة، مهنة التعليم والتي وصفها أمير الشُعراء أحمد شوقي بقصيدتِهِ والذي يقول في مَطلعها: 
قم للمُعلِمْ وفــه التبجيلا.. كادَ المُعلِمْ أن يكونَ رسولا 
يا لِشدةَ جمالَ وصف الشاعِر للمُعلِم، وصفهُ بالرسول الذي يحمل رِسالةً موجهةً الى جيل كامِل قادم يحمل أحلاماً وأُمنيات، ومُفتاح تحقيقها المُعلِمُ الصالِحُ، الذي يعرِفُ كيف يوصِلْ المعلومة بِكُل حُب وشغف الى هذا الجيل
الواعِد.
كانَ للحكومات التي حَكمّت العِراق منذ بداية العشرينات تأثيرٌ واضحٌ في التعليم مرّ بتحولاتٍ، تَحدَث عنها الخبير القانوني طارق حرب الذي عاصرَ العديد مِن الأجيال: «بِشكل عام ما قَدمهُ المُعلِم والتدريسي عِبر سنوات اشتغالاتِه الكَثير في مجالات التعليم والتوعِية، رُغمَ الظروف الصعبة ومِنها الحُروب والأزَمات، التي مرّت بالعِراق مُنذُ الأربعيّنات وصولاً الى الآن، فـلقدْ أسهَمَ المُعلِم في بِناء شخصيات تَحوّلت بعدَ سنوات ألى أيقونات أدبية وثقافية وفنية معروفة، فلهُ اللمسة والفضل الأول في الوصول إلى الغايات والأهداف التي كانَت تطمَح الأيقونات في الوصول إليها.
فالمُعلِمُ والتعليمُ مرّا في سَنواتِهما الأخيرة بالكَثير مِن الصِعاب والمشكِلات، فقد اختلَفَ المعلم في تدريسهِ، وهو يتَنقَلُ بينَ المَدارِس والمُحافظات لِيكونَ تحتَ تأثير الظروف الاجتماعية والمعيشية، بينما اختلفت طِباع الطلبة، وأختلفَ أيضاً مستويات تَلقيهُم للعِلوم والمَناهِج على عكس ماكانوا التلاميذ سابقاً في السبعينات، فالكثير مِن المُعلمين الذينَ أخذوا يُمارِسونَ القسوة على طَلَبتِهمْ، لِتتعدى حدودِها شرعياً وتربوياً وقانونياً، القسوة والشدة مطلوبة، لكِنْ يجِبُ مُراعاة الضوابِط الموضوعة والقوانين، كما كانَ لظهور حالات العُنف المُجتمَع تأثيرٌ كبيرٌ على سلوك الطالب
 المُتلقي.
 
ظواهر مستحدثة
المُشرِفْ التربوي سلمان جعفَر والذي أمضى أكثَر من (20) سنة في التدريس قال: «اختلفت الظروف التي مرَ بِها المُعلِمُ والتدريسي، إضافة الى اختلاف سِلوك الطالِب من قَبل سنوات عَديدة وصولاً الى أيامِنا الأخيرة، فقد كانَ المُعلِمُ قِدوة واشعاعاً يصلُ نُورهُ إلى الأسرة، لِيّكونَ تأثيرهُ في الطالِب طِوال اليوم، وحتى انقِضاء وقت الدوام، بينما نرى اليوم معَ الأسف الكَثير مِن الظواهِر، التي باتتْ لا تُفارِقُ الكَثير مِن الطلبة، ومِنها عَدم احتِرام وقت الدَرس وعدم تحضير الواجِبات يومياً، لِيصل الأمر الى أنَ بعضَ الطلبة يمارِسون التدخين داخِل الصف، لِيصل الأمرُ الى المُعَلّم الذي باتَ مُرتبِكاً مِن هذهِ التَصرُفات، وبالتالي يبقى المُعلِم رُغمَ ظروفه الصعبة، مِثالاً حيّا ينظُرْ إليهِ المُجتمع
باحتِرام. 
 
الجندي المجهول
التدريسي طه محمود والذي مارَس التدريس منذُ سنة 2010، يقول: «رُغمَ ما قِيلَ ويُقال عن المُعلِم فهو أشبه بـ(جندي مجهول شامخ) رُغمَ تباين مُستويات من مارَسَ التعليم في الماضي والحاضر، فالثقافة العامة والحرص الدائِم على ايصال المعلومة الى الطالب باتت تتباين بينَ مُعلمي اليوم والأمس، تُضاف إليها مستويات الطلبة، التي شهدتْ في سنواتِها الأخيرة تراجُعاً ملحوظاً، وكانَ للتطور التكنولوجي ووسائِل التواصل الاجتماعي تأثيرٌ كبيرٌ وكانَ سببا في عَدم تحضيرهم لدروسهُم، فالبعض مِنهُمْ يصل إلى الامتحانات النهائية وهو لا يعرِفُ من المنهَج أي شيء، إضافة إلى الأوبئة التي جعلت التعليم عن بُعد وتكاسُل الطُلاب في ما بعد عن الدوام». 
 
أسلوب التعليم
يختلِف أسلوب التعليم في الثمانينات والتسعينات عن الأسلوب المُتعارَف عليهِ حالياً، إذ يرجع سبب هذا الاختلاف في الإسلوب هو تغيير أغلب الكوادِر التدريسية صاحِبة الخِبرة، وأيضاً هجرة البعض منهم خارجياً ومحلياً ومنهم من تقاعدَ ومنهم من توفاهُ الله، أما الآن باتَ الاختلاف عن السابق بعدم بذل الجُهد المطلوب من المُعلِم تِجاه الطالِب لإيصال المعلومة لهُ، إضافة الى عدَم حضور المُعلِم قاعة الدرس واللامبالاة بالطالِب، فأصبح هَمُّ المُعلِم هو الحِضور لأجل الراتب فقط ولا يهمَهُ أمر
الطالِب. 
في النهاية التعليم هو رسالة مهمة والمُعلِم هو صاحب هذهِ الرسالة، لذا يتوجب عليهِ ايصالها بالطريقة الصحيحة، والتي تخدُمُ الطالِبْ حتى يكون فرداً ناجحاً في المُجتَمع، ألفُ تحية لجميع الكوادر التدريسية، التي تُقدِم علماً ومعرفة للجيل الجديد
الواعِد.