من خلال إشاعة روح السلام.. انتهاء حقبة الإبادات الجماعيَّة

ريبورتاج 2022/01/26
...

 عذراء جمعة
على مدى التاريخ الحديث للعراق تعرض شعبه الى عددٍ من الإبادات الجماعية، ومنها عمليات الانفال في عام 1988 عندما امر الرئيس المقبور صدام بقصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيمياوي وابادة الساكنين في المدينة جميعا رجالا ونساء وأطفالا، وهلاك حتى الثروة الحيوانية، وبعدها جاءت كارثة تجفيف الاهوار عام 1991 بسبب انتفاضة الشعب على حكم صدام المستبد، وكانت محافظة ميسان الأكثر تضررا، كونها تشمل أغلب اهوار العراق التي تقدر بأكثر من 45 بالمئة من المنخفضات المائية، وأدى الى هجرة السكان وموت جميع البساتين وهلاك الثروة الحيوانية، وعدت الأمم المحدة عمليات تجفيف الاهوارالعراقية من أكبر الكوارث البيئية التي حدثت في القرن العشرين.
وفي آب عام 2014 شهد العراق من جديد واحدة من أكبر عمليات الابادة الجماعية في التاريخ المعاصر على يد الجماعات الارهابية "داعش" من قتل وتشريد لآلاف الأيزيديين على هجومهم على قضاء سنجار والقرى التابعة له، الامر الذي ادى الى قتل اكثر من 4 آلاف شخص وموت اكثر من 1300 شخص بسبب الجوع والعطش، فضلا عن سبي النساء وبيعهن في سوق العبيد، إضافة الى إجبار العديد منهم على اعتناق الاسلام، والى الآن ما زال العديد من اهالي سنجار مفقودين وبعض النساء سبايا.
 
إشاعة روح السلام
ومن أجل منع تكرار هذه الجرائم، لا بدَّ من تضافر الجهود المشتركة والمعنية باشاعة روح السلام للتعريف بمدى خطورة الابادات الجماعية على السكان حاضرا ومستقبلا، لما يحمله من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وبيئية، ولمدى أهمية هذا الموضوع عقدت جامعة التنمية البشرية في محافظة السليمانية مؤتمرها العلمي الدولي الأول تحت شعار "بناء السلام ومنع الابادة الجماعية"، بالتعاون مع مجموعة من الجامعات في حكومتي المركز والاقليم، ومؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين في الحكومة الاتحادية وبيت الحكمة لمدة يومين بمشاركة 60 بحثاً من مختلف دول العالم تركز على موضوع الإبادة الجماعية واثارها، وكيفية تضافر الجهود لمواجهة اثارها والقضاء عليها.
 
مرضٌ اجتماعي
وقال ممثل كرسي اليونسكو لدراسات السلام ومنع الابادة الجماعية في العراق والعالم الاسلامي من جامعة بغداد الدكتور صلاح الجابري في حديثه لـ(الصباح): إنَّ كرسي اليونسكو هو منبرٌ علمي كاديمي، الغرض منه تزويده بالدراسات الخاصة بالسلام، ومنع الابادة الجماعية والتي أساسا قليلة في المكتبات العربية والكردية والاسلامية، منوها بأن الاشتراك في المؤتمر هو عملية ربط وتفاعل للعلوم المختلفة لدراسة ظاهرة انسانية تعد مرضا مجتمعيا في كل زمان ومكان، وعجزت البشرية عن إيقافه والى الآن تحدث الابادات الجماعية باشكال مختلفة، مشيرا الى أنه يقتضي من الأكاديميين والجامعات أن يسهموا في حل هذه المشكلة، متعددة الأبعاد (اجتماعية، دينية، عقائدية، نفسية وسياسية)، اضافة الى خلق وعي ثقافي يمنع الابادة الجماعية، وإنَّ منهجنا للأحياء لأننا نتعامل مع مجتمع مسلم نريد إحياء الأنفس بضروة الاحياء وعدم الموت، ولا بدَّ من خلق جيل جديد ينبذ العنف والابادة الجماعية. 
 
جرائم دوليَّة
وبين رئيس جامعة التنمية البشرية الدكتور مريوان احمد رشيد لـ(الصباح) على الرغم من بشاعة جرائم الابادة الجماعية، فإنها حدثت مرة واحدة في اغلب البلدان، ولكن للأسف الشديد تحدث بالعراق بشكل متكرر، وهو مؤشر خطير، وقد ترك آثارا سلبية في نفسيتنا ووجداننا والتي استهدفت كل مكونات الشعب العراقي، وإنها لم تعرف بالمحافل الدولية على أنها جرائم إبادة جماعية الى الآن، وعليه فإن مسؤولية الباحثين والاكاديميين والجامعات والمؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني العمل على تعريف المجتمع الدولي بهذه الجرائم، من أجل القضاء عليها وعدم السماح بتكرارها.
 
مرحلة التوثيق
ويرى رئيس مؤسسة الشهداء الدكتور عبد الاله النائلي لـ(الصباح) أن ما تقدمه مؤسستنا هو مخرجات على مستوى الادانة وابراز الجرائم وتقديم الوثائق كبير، ولكن هذا المؤتمر يعطي لمجتمعنا الضوء لتأسيس ثقافة جديدة للسلام ومنع الابادة الجماعية، اذ يبنى كل ذلك على أساس الارتكاز على مرحلة التوثيق والاطلاع على مجريات الأعمال التعويضية، وأبوابنا مشرَّعة لكم ليكون المؤتمر لتأسيس ورش مختصة للتثقيف بثقافة السلام ومنطلقا للتعريف بالمناهج الدراسية في الدراسات الأولية والجامعية، كل ذلك من اولويات (اليونسكو)، وأهداف وزارات التعليم العالي والتربية والثقافة، لافتا الى أن قانون المؤسسة رقم 2 لسنة 2016 أشار الى أنه لا بدَّ من تضمين المناهج جرائم حزب البعث وقانون تخليد التضحيات وتضمين جرائم داعش كي لا تتكرر. 
 
أواصرُ المحبَّة
وأوضح رئيس مؤسسة السجناء السياسيين الدكتور حسين السلطاني لـ(الصباح) أن الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي لا يتحققان لأي مجتمع الا بوحدة أبنائه وانسجامهم وتعاونهم واستقلالهم عن أي إرادة خارجية، فالتجارب القديمة والحديثة تبرهن على ذلك بوضوح، مؤكدا ن بلدنا من أكثر البلدان ضحية للعنف والارهاب في زمن الدكتاتورية او ما بعدها، هذا البلد الكريم وشعبة الكريم بأمس الحاجة الى السلم والاستقرار والخطوة الاولى لتحقيق ذلك أن يتقبل بعضنا الآخر، فضلا عن جعل التنوع العرقي والديني والمذهبي مصدر إثراء ومنطلق قوة، لتوثيق أواصر المحبة والأخوة والتعاون من أجل بناء بلدنا وتحقيق 
السلام. 
 
أبحاثٌ ومشاريع
والمشاركات الخاصة في المؤتمر من الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، راوندا، ايران والاردن، وأبرز البحوث التي نوقشت فيه تجفيف اهوار جنوب العراق للاستاذ الدكتور عبد علي حسن، وبحث عمليات الأنفال في كردستان العراق للدكتور صديق سلمان عيسى، تأثير عمليات تجفيف الاهوار على التنوع الاحياني للأستاذ المساعد الدكتور علي عبد الخبير، وبحث تقييم الايديولوجية السياسية في مقتطفات مقتبسة من خطابات وقرارات النظام السابق بعد عمليات الابادة الجماعية للاستاذ الدكتور علاء ابو الحسن، 
وبحث الابادة الجماعية وستراتيجيات مواجهتها من المنظور الاسلامي للدكتور باقي كريم شريف، وبحث ثقافة التسامح والتعايش السلمي في المجتمع العراقي المقومات والمعوقات للاستاذ الدكتور ظاهر محسن هاني، وبحث حرب المراقد والمساجد بين التصعيد الطائفي والتفكير العقائدي للاستاذ الدكتور حسن منديل حسن، وبحث دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر مفهوم الابادة الجماعية لدى الايزيديين للاستاذ المساعد الدكتور احمد رمضان، وبحث الناجيات الأيزيديات بين مأساة الابادة وواقع المخيمات دراسة ميدانية لواقع الناجيات من أسِر (داعش) للاستاذة رنا محمد جاسم، وبحث التهجير القسري من ضواحي مدينة كركوك عام 2014، التحديات وآمال العودة للاستاذ الدكتور رمضان 
محمد.