الســيارات الكهـربائيَّـة تقتحــم سوق التداول

ريبورتاج 2022/01/30
...

  فجر محمد
تجمهر الموظفون بشكل مبهج واحتفالي، وأحاطوا بها كما لو كانت عروساً ستزف، هكذا كان استقبال العاملين في مصنع تسلا بولاية كاليفورنيا الأميركية لأول سيارة كهربائية من طراز أس، التي على ما يبدو سيكون لها ولنظيراتها مستقبل حافل وستصبح محط أنظار المستهلكين ربما في القريب العاجل.
 
لمحة تاريخيَّة
اذا ما بحثنا في أول سيارة كهربائية بالعالم، سنجد أن شركة جنرال موتورز كانت رائدة في هذا المجال، اذ طرحت عام 1990سيارتها النموذجية (امباكت)، اذ كانت بدون انبعاثات وتم تسويقها في الولايات المتحدة الأميركية لأكثر من ثلاثة عقود، وبعد ذلك نزلت سيارة (ايف1) إلى السوق ولم تكن للبيع بل للايجار فقط، وفجأة وفي عام 1999 تم تدمير تلك السيارات نتيجة توقف الطلب عليها، ومنها من نقل إلى المتاحف وهكذا توقفت دورة حياتها عند هذا الحد، ليأتي بعد ذلك مارتن ابرهارد و مارك تاربيننغ ويؤسسا شركة تسلا، اذ وجدا أن السيارات الكهربائية تتميز بكفاءة الوقود، وظهرت رغبة ابرهارد في تصنيع سيارات تكنولوجية تتمتع بتقنيات أساسية مثل البطارية وبرامج الكومبيوتر والمحرك الخاص، ومن بعد ذلك تسلم مايلون ماسك زمام الأمور ومضى في تحقيق الحلم، وأصبح لهذا النوع من السيارات رواد ومحبون.
 
توجه جديد
لم يعد هوس الشباب يقتصر على عالم الانترنت ومواقع ووسائل التواصل المختلفة، بل امتد إلى كل ما هو حديث في العالم، فعلى سبيل المثال المهندس احمد علي المتخرج حديثاً، نشـأ لديه ولع في السيارات الكهربائية، ومتابعة أحدث ما وصلت إليه باستمرار، ويقول احمد، بينما هو يقلب هاتفه المحمول ويتجول في الصفحات المتخصصة بهذا النوع من السيارات: "نأمل أن يودع العالم قريباً البنزين والنوزلات وغيرها من مكونات السيارة التقليدية، وأن تحل محلها الكهربائية التي تعمل بشحن البطارية".
 
بنى تحتيَّة
أن تحول سيارتك إلى صديقة للبيئة وتعمل بالطاقة المتجددة فهذا بحد ذاته تحدٍ كبير، ولكنك لا تعلم بأن العالم من المفترض أن يتحول إلى الطاقة النظيفة بحلول عام 2040، ويلفت الباحث بالشؤون الاقتصادية رشيد السعدي الى أن توصيات المؤتمر المناخي الذي عقد مؤخراً، تقتضي بأن يتم الابتعاد عن استهلاك الوقود الأحفوري تدريجياً، وهو ما تعمل به السيارات التقليدية في الوقت الحاضر، وتماشياً مع التوصيات البيئية فإن الشركات الأوروبية بدأت تنتج سيارات تعمل بالكهرباء، ولا تضر البيئة بشكل كبير.
 
مخاوف
لم تتوقف عن التصفح والبحث عن المواقع الالكترونية التي من الممكن أن تسوق وتبيع تسلا، لأن دانيا سمير تعتبر نفسها من المدافعات عن البيئة وتحاول باستمرار أن تبتعد عن كل ما يضر بيئتها كما تقول: "كان وراء شغفي بالسيارات الكهربائية، ومحاولة اقتناء واحدة منها عدة دوافع، ولكن الأبرز بينها كان  استخدام وسيلة نقل صديقة للبيئة ولا تسبب أضراراً جسيمة، كما هو الحال مع الوسائل التقليدية".
 
مصدر تلوث
لم تغفل التقارير والدراسات العلمية عن طرح أمور عدة تخص السيارات الكهربائية، ومنها هل هي فعلاً لا تسبب الضرر للبيئة، وكان الجواب يكتنفه الغموض نوعاً ما، لأن العلماء والباحثين وجدوا أن البطارية التي يصنع منها هذا النوع من السيارات تستهلك معادن نادرة، منها الكوبالت والليثيوم، وإن استخراجهما يضر بالبيئة حتماً، ووفقاً لدراسات اجرتها مؤسسات عالمية رصينة، فإن تداول هذا النوع من السيارات لا يتعدى في الوقت الحاضر 3 بالمئة من المبيعات، ولكن من المتوقع أن تصل النسبة إلى 10 بالمئة بحلول عام 2025، ومن المؤمل أن تكون نسبة الاستهلاك 54بالمئة في مقتبل عام 2040، وهذا كله بسبب المخاطر البيئية التي تهدد كوكبنا نتيجة الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري، ومحاولة التوجه نحو الطاقة النظيفة لتقليل الانبعاثات والملوثات.
 
قوة تحمل
قد يتساءل أحدهم عن مدى قوة وتحمل السيارة الكهربائية، مقارنة بالتقليدية ذات الوقود الاعتيادي، ويجيب الباحث رشيد السعدي بقوله: "بالتأكيد في بادئ الأمر لن تكون الكهربائية شبيهة بقوة وتحمل التقليدية، ولكن مع استمرار المحاولات والتجديد ستحقق الهدف حتماً"، ويعتقد السعدي أن أحد التحديات التي ستواجه الشركات المصنعة لتلك السيارات، هو كيفية تصنيع عربات النقل والحمل والقطارات وجعلها بكفاءة التقليدية المستخدمة في يومنا هذا.
 
ثروة مهدورة
تشير الإحصائيات إلى أن هناك أموالاً طائلة صرفت على قطاع الكهرباء في البلاد، وبحسب الباحث بالشؤون الاقتصادية رشيد السعدي فإن أموالاً طائلة صرفت لإصلاح هذا القطاع، في حين لو كان هناك تنظيم صحيح لأمكن استثمار هذه الأموال في أنشطة صديقة للبيئة، وفي الوقت ذاته مفيدة لانعاش قطاع الكهرباء في العراق.
 
ملف البيئة
لم يكن العراق بمنأى عن الاتفاقيات الدولية المهتمة بالمناخ، بل كان دائماً جزءاً لا يتجزأ منها، ووفقاً للمدير العام لدائرة التوعية والإعلام البيئي ورئيس الفريق الوطني للتوعية باستخدام الطاقة النظيفة أمير الحسون، فإن البلاد ملزمة باتفاقية باريس للمناخ، فضلاً عن مراقبة نشاطات الدوائر والمؤسسات الحكومية في توجهها نحو الطاقة المتجددة، ويبين الحسون أن العراق ملزم بتقليل استهلاك الوقود الأحفوري في الأعوام القليلة المقبلة، ما يعني التحول الحتمي نحو استخدام الطاقة النظيفة في السيارات.
 
جهات ساندة
أن تبتعد عن السيارات التقليدية التي تسبب انبعاثات كبيرة وخطيرة وتستعيض عنها بالنظيفة، خصوصاً الكهربائية، امر ليس بالهين، بل يحتاج إلى ثقافة وتوعية، ويرى الأكاديمي في كلية الرافدين الدكتور سامر سعيد أن السوق المحلية ما زالت بعيدة عن هذا التوجه، وقد نحتاج إلى فترات زمنية طويلة كي يصبح لهذا النوع من وسائل النقل رواده، وليس هذا وحسب بل لا بد من أن يتأكد المستهلك من وجود شركات وجهات مختصة بإصلاح تلك السيارات، فقد يكون أحد أسباب العزوف عنها هو افتقار السوق المحلية إلى هكذا اجراءات وجهات ساندة.
 
عجلات نظيفة
تسعى الورش والندوات التي تعقدها البيئة مع الإدارة العليا لشركة تويوتا إلى إيجاد سيارات ووسائل نقل تتناسب مع طبيعة الأجواء المحلية، خصوصاً درجات الحرارة العالية صيفاً، وبحسب المدير العام للتوعية والإعلام البيئي أمير الحسون فإن هذه اللقاءات تتزامن مع مبادرة القروض الداعمة لاستهلاك الطاقة النظيفة التي ستحفز المواطنين نحو هذا التوجه البيئي الجديد، ويشير الحسون إلى أن وزارة النقل مكلفة بإيجاد منظومة نقل سريع وقطارات صديقة للبيئة وتعمل بالطاقة النظيفة.
 
الهجين
لم تخل السوق المحلية من وجود السيارات الهجينة التي هي مزيج من السيارات التقليدية والكهربائية، وعلى الرغم من رخص أسعارها ودعمها من قبل الجهات المختصة، إلا أنها لغاية الآن لم تجد رواداً لها، ووفقاً للأكاديمي في كلية الرافدين الدكتور سامر سعيد فإن هذا النوع من وسائل النقل، يحتاج إلى التوعية والتثقيف البيئي، ومن المعروف أن المستهلك العراقي يفضل كل ما هو مجرب، ويبتعد تماماً عن الجديد وغير المتداول.