عن مهرجان المربد ..

ثقافة 2019/03/12
...

د. حسين القاصد 
شيء يستحق التقدير والثناء أن يقام مهرجان المربد في دورته الثالثة والثلاثين، في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، بل في ظل الظروف التي تمر بها البصرة الفيحاء؛ والشيء الأجمل هو المشاركة العربية الواسعة، وروح التفاؤل بعودة الأدب لواجهة الحياة بعد ان تحول لزمن طويل الى حديقة خلفية للسياسة وارهاصاتها، ولعل من جمال وايجابيات هذه الدورة انه يصعب على الحضور التمييز بين المسؤولين والقائمين على تنظيم المهرجان، وبين الشعراء والضيوف؛ فلقد شاهدنا وزير الثقافة والسياحة والاثار يجلس في المقاعد الأخيرة من دون حمايات وضجيج، وهو ماحدث في جلسة (الباخرة) حيث الجولة في سحر شط العرب وجماله. 
 لكن ماذا عن الشعر؟ او ماذا عن الشعراء؟ وهل يجب علينا ان نستذكر قول بلند الحيدري في احد المرابد (اذا كان هناك وسام لابد ان يمنح فيجب ان يمنح للجمهور لصبره...)، لقد اقيمت مجازر لغوية، والقيت خطبٌ بعضها كان موزونا ليقال انها  قصائد عمودية!! وأخرى غير موزونة بدعوى أنها قصيدة نثر!!، واطلق عليها اصحابها صفة الشعر؛ وكم دعونا، سابقا، الى رقابة فنية على القصائد التي يجب ان تلقى في المهرجان . 
 لقد غاب عن المهرجان اغلب شعراء البصرة لاسيما الشباب منهم، وكان ذلك بكرم من البصرة لاتاحة المجال للشعراء الضيوف، ولكن ضاع معيار الاتاحة، فحدثت مجازر لغوية يندى لها جبين اللغة، كما ان بعض المدعوين من العرب لم نسمع به من قبل؛ ونقول لابأس، لأن اللجنة المنظمة لاتتحمل مسؤولية رداءة مايلقيه الشاعر، لكنها، من الزاوية الأهم، تتحمل مسؤولية دعوته قبل فحص نصه والتأكد من سلامة لغته، وذلك اضعف الابداع !!. 
لقد حدث في هذا المهرجان شيء يثير الشجن والفرح معاً، وهو أن ارتقى المنصة طفل في التاسعة من عمره، اسمه صادق الغريفي، وصادق هذا، يحفظ اكثر من الف بيت من قديم الشعر وحديثه؛ فأما الشجن فيكمن في ان هذا الطفل نسي بعض الابيات وهو على المنصة، وما ان نزل منها حتى دخل في نوبة بكاء لم يخرج منها الا بعد ساعات من المواساة؛ واما الفرح فتجلى في كرامة المنصة التي احترمها هذا الطفل الواعد، فأخذ يبكي لأنه لم يستطع اكمال قصيدته بسبب حرارة الموقف ومواجهة جمهور بهذا الحجم؛ لكن ماذا عمن انهكوا اللغة وصلبوها في عقر دار احدى عاصمتيها (المدرسة البصرية) ونزلوا من المنصة يحتفلون بخطبهم وانشائياتهم التي يظنونها شعرا، ليتهم يعرفون هيبة الشعر كما عرفها الطفل الموهوب صادق الغريفي؟ 
 نعم، نجح المربد، لكن هذا لايمنعنا من المراجعة وتفادي ما وقعنا فيه؛ شكرا للبصرة الفيحاء والى مربد قادم اكثر رصانة.