الاستثمار.. مكابدات ووقائع معرقلة

ريبورتاج 2022/01/31
...

  علي غني 
كثيرٌ من المستثمرين يرغبون باستخدام أموالهم في مشاريع مفيدة للبلاد، ليحققوا الربح والفائدة للمجتمع ولأنفسهم، قطار الاستثمار في العراق يحاول المرور في كل الأمكنة، ليخبر الجميع بوجوده، ولكن ليس الكل يستجيب له، فهناك من يريده أن يمر سريعاً لجني الفوائد ولو كان ذلك على حساب الوطن، وهناك من يريده أن ينهض لتحقيق التقدم في مجالات الحياة، وما بين تعدد الآراء والرغبات، عرجنا على واقع الاستثمار في العراق، والعقبات التي تعترض طريقه، وعلاقته بالمصارف، والمعوقات التي يهرب منها المستثمرون، وكيف نشجعه وما أنواعه في الداخل؟، كل هذه الأسئلة وجهناها لأصحاب الاختصاص من الاقتصاديين والمصرفيين والقانونيين، بغياب المستثمرين، لنبحث عن وطن يمكنه أن يجمع الاستثمار ليوزعه بين المستثمرين.
 
 
غاب المستثمرون
الحق يقال، ذهبت أفتش عن المستثمرين، فوجدت أكثرهم قد تهربوا من اللقاء بنا، على الرغم من وجود مشكلات عويصة في مجال عملهم، ومع هيئة الاستثمار، ولن أجد مبرراً لهذا الغياب سوى أنهم لا يريدون التعريف بأنفسهم لدى الجمهور لغاية في نفس يعقوب، ومثلهم تملص من اللقاء معنا أصحاب المصارف الأهلية والحكومية، بحجج عديدة منها الموافقات من وزارة المالية وغيرها، لذلك استعنا بالشخصيات النزيهة التي بعضها تقاعد من الوظيفة بوجه أبيض، وكلهم خبراء في مجال الاقتصاد والمصارف، ويشهد الله أننا تطرقنا لموضوع الاستثمار، لنقل معاناة المستثمرين أنفسهم إلى الجهات المختصة، لحلها وإيجاد أرضية خصبة لكل مستثمر يحب بلده، ويطلع على احتياجات الناس المهمة، وتشغيل الأيدي العاملة من أجل القضاء على البطالة التي بدأت تأكل البلاد وتدخلها في مشكلات أقلها الجرائم والمخدرات.
 
الأمن والاستقرار
لم أجد شخصاً يُعرفني على واقع الاستثمار في وطني غير المصرفي المخضرم والمتقاعد حالياً الذي عمل مديراً عاماً لمصرف الرشيد لسنوات عديدة، الاستاذ عبد الهادي صادق، اذ قال: إن من الأولويات التي يحتاجها المستثمر وتسهل عمله والشروع في استخدام أمواله في إنشاء المشاريع سواء كانت صناعية ام زراعية ام تجارية أم سياحية، أو أي خدمات كالنقل أو الصحة أو التعليم على سبيل المثال، الأمن والاستقرار السياسي، اذ إن رؤوس الأموال تتجه إلى المناطق الآمنة والمستقرة.
وتابع (عبد الهادي) المعروف بقيادته المصرفية الناجحة : على المستثمر التعرف على خارطة المشاريع التي يحتاجها البلد على وفق ما تعلنه هيئة الاستثمار والتي تتيح للمستثمر اختيار المشروع بحسب رغبته واختصاصه وخبرته وكفايته المالية.
وبعد ذلك (والكلام لعبد الهادي)، يتقدم بطلب إجازة المشروع الذي يرغب فيه بعد تقديمه المستندات التي تعزز طلبه، ويجب أن يتم ذلك بسرعة، متجاوزاً الروتين والبيروقراطية، وأن تكون هناك نافذة واحدة لاستكمال الاجراءات في موقع واحد، واذا اردنا أن ينجح المستثمر في عمله، لا بد من مزايا يحصل عليها، ومنها الاعفاءات الجمركية والضريبية وامكانية تحويل الأرباح او جزء منها إلى موطن المستثمر أو تهيئة أرض للمشروع يتم ايجارها لمدة طويلة.
 
امتصاص البطالة
أنا أتفق مع الاستاذ عبد الهادي المصرفي المخضرم بكل ما قاله، هذا ما قاله الدكتور منصور كاظم السوداني التدريسي في الجامعة العراقية، مضيفاً: يجب أن يكون المشروع نافعاً ويحقق الأهداف التي أنشئ من أجلها، كما يجب استقطاب الأيدي العاملة في داخل البلد، وهنا نقصد منها امتصاص البطالة وتقليلها إلى جانب تسهيل آليات التواصل الميسرة مع الجهات الحكومية، فضلا عن توافر كل ما يتعلق بنجاح المشروعات الاستثمارية ومنها الجانب الأمني وتيسير القروض، وتقليل الروتين وحماية المستثمرين، علاوة على تنظيم ذلك بمواد قانونية تحفظ للجميع حقوقهم من أجل نجاح المشروعات الاستثمارية. 
 
البنك المركزي
وأعود للمصرفي المتقاعد الاستاذ عبد الهادي صادق، لأسأله عن التسهيلات المصرفية التي يسعى المستثمر للحصول عليها لمساعدته في انشاء مشروعه وتشغيله، ليجيب بلغة واضحة: إن المصارف لا يمكن أن تقوم بتمويل كامل المشروع، ويعني ذلك أن المستثمر ينبغي أن يسهم ابتداءً بجزء من تكلفة المشروع كانشاء البناء وتجهيزه ببعض الأجهزة والمكائن، ويمكن له بعدئذ أن يتجه للمصارف لطلب القرض لإكمال مشروعه، لا سيما أن هناك مبادرات من البنك المركزي العراقي للإقراض بسعر فائدة منخفض، وهذه التسهيلات التي تقدمها الدولة للمستثمر.
 
جدوى المشروع
ولماذا تتأخر معاملات الإقراض في المصارف؟، أجيبك بكل صراحة، إن المصارف تدرس طلبات المستثمرين بعناية، للتأكد من جدوى المشروع وقدرته على النهوض، ما يعطي ضمانة واطمئناناً للمصرف بأن القروض سترد في مواعيد الاستحقاق، وهنا لا بد أن نشير إلى أن الأموال التي يقرضها المصرف هي من مصادر تمويله الأساسية، وهي أموال المودعين الواجبة الدفع إليهم متى ما يطلبونها، إن كل الاجراءات التي ذكرتها لك بدءاً من طلب الإجازة إلى الحصول على القرض من المصرف ينبغي ألا تجابه بالروتين والبيروقراطية في مراحلها كافة على أن تراعى الدقة في القرارات الإدارية والمصرفية.
 
كفاية مالية
ويرى المستشار دريد محمود الشاكر العنزي، أنه لا توجد كفاية مالية لدى المصارف العراقية لجذب الاستثمارات العالمية، كما أننا لم نلاحظ او نقرأ عن دراسة او تقييم من قبل أي بنك او اقتصادي لعملية الاقراض في السوق العراقية على الرغم من وجود العديد منها وباختلاف حجم القرض، والمبادرات التي يتبناها البنك المركزي بواسطة البنوك الأهلية والحكومية، ومن المفروض أن تكون المصارف الأهلية لرفع مستواها الائتماني وبالخصوص ونحن مقبلون على خروجنا من البند السابع سيئ الصيت، وكانت القروض بعثرة للرساميل المخصصة ولم تكن ذات مردود اقتصادي، بشكل عام إنها قروض ربوية غير مقبولة ولا يتعامل بها من قبل نسبة عالية من المستثمرين والمواطنين بسبب تحريم هذه الطريقة.
وهذا بحد ذاته (والكلام للاستاذ دريد) سبب فشل او عدم نجاح عملية الاقراض، اذ يجب أن تحل قروض المشاركة والمرابحة محل القروض الربوية والتي تقبل من عامة الناس هي والايداعات، اذ يعزف المواطنون عن الإيداع في البنوك ايضاً لوجود الفائدة، وهذا مبدأ طرحناه بعد متابعة طويلة ولمسنا أن نسبة 60% من المؤهلين للعمل والمحتاجين للقروض لا يقدمون على الاقتراض بسبب الفائدة. 
 
تقليص الروتين
وعرج الدكتور منصور كاظم السوداني التدريسي في الجامعة العراقية على المعوقات والعوامل المشجعة على الاستثمار، فالمعوقات ربما مردها إلى العوامل والظروف المحيطة به، لا سيما اذا تزعزعت الأوضاع في البيئة المراد إقامة المشروعات الاستثمارية فيها، إلى جانب ارتفاع سعر الفائدة المفروض على المشروعات الاستثمارية، أما العوامل المشجعة عليه، فقد تكون وضوح السياسات الاقتصادية واستقرارها وتوافر البنى التحتية الضرورية وتقليص
الروتين.
 
تعافي الاستثمار
وكانت رئيسة الهيئة الوطنية للاستثمار سهى النجار واضحة في منتدى التصنيع العالمي في ايطاليا حين قالت: إن العراق يمتلك موارد اقتصادية غير نفطية ويمكن استثمارها في الصناعات المختلفة، وإنه على الرغم من كل التحديات التي واجهها يسير بخطى ثابتة وسليمة للتعافي والنهوض وينظر للمستقبل بروح الانفتاح نحو التجارب الناجحة، والشراكات التي تعزز من فرص تنمية قطاعاته في المجالات كافة.
 
دعوة للشركات
ووجهت رئيسة الهيئة الوطنية للاستثمار دعوة للجهات  الرسمية والشركات والمستثمرين المتخصصين في القطاع الصناعي للنظر في توسيع آفاق التعاون مع العراق.
ودعت النجار الشركات المتخصصة لزيارة العراق، مؤكدة استعداد الهيئة ومؤسسات الدولة العراقية والوزارات ذات الاختصاص لتقديم جميع التسهيلات للشروع في عملهم، وبناء شراكات مع القطاع العام والخاص العراقي لإعادة إعمار قطاعاته المختلفة، فضلاً عن الاهتمام بالتعاون؛ للوصول إلى المعرفة والآليات الحديثة والمتطورة في إدارة المشاريع، والرغبة في دعم المشاريع مع تطوير المهارات، وتمكين العاملين وخلق البيئة المناسبة لفرص العمل، وتطوير الإنتاج الوطني ورفع كفاءة العاملين.