نافع الناجي
يقع خان العطيشي الى الشمال من مدينة كربلاء، في قضاء الحسينية على الطريق القديم الذي يربط كربلاء بالعاصمة بغداد، ويعدُّ واحداً من أقدم الخانات التراثية في مدينة كربلاء المقدسة، بني هذا الخان مع مجموعة من الخانات على هذا الطريق أيام الدولة العثمانية، وبرغم الأهمية التراثية لهذا المعلم المهم والقيمة التاريخية لجدرانه وأروقته وزخارفه، فما زال يعاني من الإهمال بسبب الخلاف والسجال على عائديته بين وزارة التجارة وهيئة الآثار.
مسميات وأصول
تقول أستاذة التاريخ الحديث والمعاصر الدكتورة لمياء محمد علي لـ(الصباح)، إن «كلمة العطيشي وأغلب مواقع المدن العراقية، هي تسميات ليست عربية بما فيها كربلاء نفسها، وكذلك بغداد وبابل ونينوى وغيرها، فهي مدن تنتمي الى ثقافات وأمم أخرى».
وأضافت «حضارة كربلاء وآثارها وأديرتها تعود للحضارة النسطورية على الأرجح، وهذه المدينة هي جزء من التحالف (التنوخي – الحيري)، الذي كانت عاصمتهم المناذرة بالقرب من مدينة النجف الأشرف
اليوم».
وبخصوص تسمية «العطيشي»، توضح الدكتورة لمياء «أعتقد أن أصوله آرامية، كحال معظم تسميات المدن والمواقع العراقية القديمة التي تنتمي الى أسماء لغات أخرى، تمكنت العربية لاحقاً أن ترث هذا التراث الكبير».
خلاف عائديَّة
أحد موظفي دائرة مفتشية الآثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة والسياحة في كربلاء، فضّل عدم الكشف عن هويته، قال لنا، إن «خان العطيشي كان من المواقع التراثية المسجلة لدينا، وهو يعود الى حقبة الاحتلال العثماني، أسوة ببقية المواقع التراثية المسجلة فهو يمتد على المسار نفسه مع خان الربع وخان العطشان على طريق الزائرين في الوقت السابق».
وأضاف «خان العطيشي لا ينال حاليا أعمال الصيانة التي يستحقها، أولا بسبب قلة التخصيصات المالية»، مستدركاً «حتى لو توفرت الأموال اللازمة لأعمال صيانته فمن غير الممكن القيام بذلك، لكون موقع الخان مسجلا باسم وزارة التجارة، وهذا الأمر يحتاج الى عددٍ من المخاطبات والموافقات الرسمية بشأن تحويل ملكيته لأجل الشروع بأعمال الصيانة والترميم».
طرزٌ معماريَّة وهندسيَّة
الباحث في الشؤون التاريخية والتراث، الأستاذ الدكتور غانم نجيب عباس يقول «شيّد خان العطيشي في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، بحسب دراسات تاريخية منشورة تناولت التاريخ الحديث والمعاصر لمدينة كربلاء المقدسة».
وأضاف «بني الخان من الآجر، بالقياس الحيري الذي يعتقد أنه انتزع من أطلال تل العطيشي الأثري الموجود على مقربة من الخان، والذي يرجّح علماء الآثار انه يعود لعصر دولة المناذرة».
ولفت عباس الى أن «طراز عمارة الخان يشبه الطراز الحيري الذي كان يعتمد الأواوين الداخلية المتقابلة والمسقّفة، بطراز عقود إنصاف الدوائر متوزّعة بين الأركان الأربعة للخان بتناظرٍ هندسي بديع»، مشيراً الى أن «من مزايا هذا الطراز الهندسي السماح بمرور أشعة الشمس شتاء وتكييف حرارة الهواء صيفا».
تصدّعٌ وتداعٍ
الإعلامي والكاتب تيمور خضير الشرهاني، شكى لـ(الصباح) من حالات التداعي وشبه الانهيار، التي تعاني منها جدران الخان التراثي الهام، بسبب الظروف الجوية وقلة اهتمام الجهات الرسمية بصيانته وإعماره.
وأوضح الشرهاني «مع هذا الإهمال، فالخان الآن في طريقه طبعا للتداعي، وكما تلاحظون فهذا الركن على الجهة الشرقية قد سقط جانب منه، في الأمطار الغزيرة التي هطلت في العام 2013، والآن هو في حالة تداعٍ
كبيرة».
وأضاف «الأركان الأربعة بما فيها الأبراج الركنية المعقودة بطراز العقد الحيري الجميل، نلاحظها الآن في حالة تصدّع وإهمال وتداعٍ»، لافتاً الى ان «قلعة العطيشي هي نفسها في زمن العباسيين، وتمَّ نقض القلعة في زمن العثمانيين ونقل الآجر منها الى هذا الموقع الذي نشهده اليوم»، مشيراً الى أن «كل خان وموقع إسلامي كان يقع بقرب كنيس نسطوري أو معبد يهودي أو موقع ساساني أو بابلي، بمعنى آخر أنه الحضارة العراقية حضارة متواصلة».
دعواتٌ لصيانة العطيشي
وفي ختام جولة (الصباح) في هذا الموقع التراثي العريق، ورغم الأهمية التاريخية والتراثية والسياحية لخان العطيشي، إلا أنه ما زال يعاني من الإهمال والجحود لماضيه المضيء وما تحويه جدرانه من صفحات مشرقة وثرية مكتنزة بالحكايات والدروس، ما يتطلب وقفة جادة من الجهات المعنية سواء وزارة الثقافة او محافظة كربلاء المقدسة أو حتى السعي لرفع ملفه لليونسكو، لإعادة البسمة والحياة لهذا المعلم التراثي
العظيم.