مقبرة وادي السلام.. عمليات نصب ٍواحتيال

ريبورتاج 2022/02/02
...

  محمد عجيل 
يقول صديقي علي صبار حينما توفيت شقيقتي أردنا أن ندفنها بجوار قبر أمنا في مقبرة النجف الأشرف بحسب وصيتها، وسبق لنا أن تركنا مساحة من أرض قد اشتريناها من أحد مكاتب الدفن لهذا الغرض، لكننا فوجئنا وللأسف الشديد أن شخصاً آخر من أهالي ذي قار كان قد دفن في تلك المساحة الصغيرة، واضطررنا وقتها أن نتصل بصاحب المكتب (الدفان) لمعرفة أسباب ما حصل، فقال لنا: لا عليكم لدي مكان آخر قريب من قبر والدتكم وبجوار الشارع ويمكن الوصول إليه بسهولة.
 
ويواصل صبار حديثه «لقد رضخنا للأمر الواقع بعد مشادة كلامية بالهاتف، بأن ندفن شقيقتنا كما أراد الدفان وليس كما نريد نحن، لكن الطامة الكبرى أننا وجدنا هناك من يتصل بنا قبيل مناسبة الأربعين، مطالباً بنقل جثة شقيقتنا إلى مكان آخر في زمن أقصاه ثلاثة أيام، وبعد استفسارنا عرفنا أن المكان الذي خصصه لنا الدفان ملك لأحد الأشخاص من محافظة ميسان، وبجهود الناس الخيرة لملمنا الموضوع وانهيناه على خير».
 
عائدية مجهولة
قصة المواطن علي صبار واحدة من عشرات القصص التي تحدث يومياً في مقبرة النجف الأشرف، ولعل أبرزها تلك التي حصلت مع مواطن آخر هو باسم خريبط من مدينة القاسم المقدسة، حينما وجد ثلاث جثث مدفونة في خانات سرداب أسرته من دون علمه، كان قد باعها صاحب مكتب للدفن لأسرة من أهالي الشطرة، مدعياً أن السرداب يعود إليه ويرغب في بيعه، لكن الغريب في هذا الأمر كما يشير خريبط، أن الأرض التي أنشئ عليها السرداب تعود إلى شخص آخر يعيش في السويد أقام دعوى في القضاء على صاحب المكتب وعليّ وعلى الأسرة من أهالي الشطرة، ولم نتوصل إلى حل حتى الآن، لعدم وجود أوراق ثبوتية للأرض تعود لأحد المالكين، وهذا أحد أسباب معاناة الناس في مقبرة النجف، وعليه ومن خلالكم نطالب أن يكون هناك عقد او ورقة بيع وشراء مصدقة ومضمونة للمساحة التي يشتريها المواطن كي يشيد عليها قبراً.
 
رفات
ومشهد الإثارة يتكرر كما حدث مع الزميل الصحفي رحيم عودة خلف من محافظة الديوانية، الذي قال: توفي والدي عام ١٩٨٩ وشيدت له قبراً بما تسمى الفتحة الثانية، لكني فوجئت مؤخراً بأن قبر والدي قد أزيح من المكان ليشيد بدلا عنه قبر آخر لمتوفى من مدينة الصدر ببغداد، وحينما حاولت الاتصال بالمكتب المختص بالدفن رد عليّ «استاذ اذا عندك شيء باقٍ من المرحوم، نحن حاضرون أن نخصص له قبراً في مكان آخر»، بالله عليكم اي منطق واستخفاف هذا بمشاعر الناس وتجاوز على حقوق الموتى، ومن خلالكم أطالب رجال الدين والمرجعية الرشيدة بالتدخل لغرض الحفاظ على هذه الحقوق، كما أطالب وزارة الداخلية بتفعيل أجهزتها لمكافحة جرائم النصب والاحتيال التي تشهدها المقبرة من أشخاص لا يمتون للإنسانية بصلة، وليس لديهم رادع اجتماعي لإيقاف تجاوزاتهم، والا سيجد المواطن نفسه مضطراً للحفاظ على حقه.
 
نزاع عشائري
حينما يموت الشخص فإنه يستريح من وجع الدنيا وخاصة في ظل هذه الظروف التي تشهد التكالبات والتقاطعات بين دول العالم، لكن الغريب أن يتسبب دفنه في نشوب نزاع عشائري وهذا ما حدث مع أسرة من السادة العواديين في محافظة بابل مع أسرة شمرية من المثنى، اذ يقول علي محمد العوادي: لدينا قطعة أرض كبيرة سبق أن اشتراها والدي كي تكون مدفناً لجميع أفراد الأسرة، وهي ترتبط بشارع عريض وسبق أن تركناها من أجل تسهيل وصول المركبات بالمناسبات، لكن فوجئنا أن هناك من احتل الشارع وأنشأ معرضاً لبيع السيراميك والمرمر الخاص ببناء المقابر، وحاولنا حل الموضوع سلمياً، ومعرفة حيثياته وتبين أن صاحب مكتب لدفن الموتى اتفق مع صاحب المعرض على استغلاله مناصفة بالأرباح، واضطررنا بعدها أن ندخل في نزاع عشائري استمر لأسابيع وتضمن تهديداً ووعيداً، وتدخلت شخصيات نجفية في حسمه، وانتهى بتنازلنا عن نصف الشارع العائد لنا شرعاً، ولكن لم نتمكن أن نثبت ذلك قانونياً.
ولم يكن هذا النزاع هو الأول او الأخير الذي تشهده تداعيات العمل في مقبرة وادي السلام التي تعد احدى أكبر مقابر العالم، اذ يروي لنا المواطن جواد مظلوم من سكنة الدغارة جنوب شرق مدينة الديوانية أن قبر والده تعرض للتجريف من قبل أشخاص ادعوا أنهم من النجف الأشرف، وتبين أنهم من سكنة محافظة ذي قار وجاؤوا لغرض البحث عن عمل، واستقر بهم القرار إلى إنشاء كشك لبيع المياه والبخورات بجوار مغتسل الصدرين، اذ تعج المنطقة بالزائرين والمارة، وحينها أقمنا دعوى قضائية أحالها قاضي المحكمة وفقاً للمادة 27 رفع التجاوزات عن أموال الدولة على اعتبار أن أراضي القبور لا تعد مالاً شخصياً، وتم حبس المتجاوز، وهنا ثارت ثائرة أهله وأقاربه علينا، واضطررنا بعدها تحت التهديد أن نلغي كل شيء، وأن نقبل بقدر الله تعالى، ونعمل قبراً رمزياً لوالدنا في مكان آخر.
 
الدفانون لهم كلام آخر
حملنا أسئلتنا مع هذه المعاناة والمشكلات وتوجهنا صوب مكاتب الدفن التي اصبحت تعد بالعشرات بعد أن كانت تقتصر حتى نهاية العقد الثمانيني على ثلاثة مكاتب او أكثر منها بقليل تابعة لأسرة (ابو اصيبع)، وأسرة (بهلول)، وأسرة (العمية) التي يمثلها اليوم الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي علي العمية، اذ تحدث لنا شقيقه عماد العمية، قائلاً: إن جميع حالات النصب والاحتيال التي تحدث في مقبرة وادي السلام تقف خلفها عصابات الجريمة المنظمة من خارج مدينة النجف الأشرف، أشخاص وأسر لجأت إلى المحافظة في بداية العقد التسعيني بسبب الحصار، واخذت تعمل في المقبرة تبيع الماء تارة او تقرأ سوراً من القرآن تارة أخرى، ومن ثم تطور عملها إلى تلقين الميت، وبعدها حفر القبور والاستيلاء عليها، وأنتم تعرفون جيداً أن أراضي القبور ملك مشاع للدولة وليس هناك أي ورقة ملكية تثبت عائديتها لأحد حتى يدخل المواطن في نزاع قانوني.
وأضاف «كان الناس في زمن الحصار يبحثون عن الأسهل والأرخص في دفن موتاهم، فيضطرون إلى القبول بأي عرض يقدم لهم من دون أن يحملهم أموالاً في ظل شحتها في زمن الحصار الاقتصادي، أما الأمر الآخر الذي تسبب في ذلك فهو رغبة أهالي المتوفى بالدفن في المقبرة القديمة من أجل قرب المسافة من صحن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وضمان الوصول إلى فقيدهم، وكذلك التقرب من مقابر أمواتهم في ظل غياب الأراضي الجديدة المنظمة في ذلك الوقت، وهذا ما دفع بعض المكاتب إلى إلغاء قبور مضى عليها أكثر من خمسين عاماً، ويجوز لنا ذلك شرعاً لكننا صدمنا برغبة الكثير من أسر الموتى بتجديد مقابر أمواتهم، وهي واحدة من المشكلات التي ادخلتنا في مأزق شرعي وأخلاقي.
بينما الدفان مهدي عبد الهادي حبيب خضر الذي مضى عليه أكثر من أربعين عاماً وهو يمارس هذه المهنة، حمل الأهالي مسؤولية ما يحصل من عمليات نصب واحتيال داخل المقابر، وذلك لأنهم يلجؤون إلى أرخص الأسعار في الحصول على الأرض او تجديد المقابر او بنائها والتي يجدونها عند نصابين وعصابات منظمة ومدعومة من قبل جهات متنفذة من الذين يجوبون المقابر طولاً وعرضاً لغرض الحصول على فريسة جديدة، وقال «نحن أصحاب المكاتب معروفون ومجازون من قبل الحكومة ومنتمون إلى لجنة مشكلة من قبل بلدية النجف، ونحترم كلمتنا تجاه الناس والأموات، لكن هناك من يحاول أن يعبث بسمعتنا والإساءة إليها من خلال تعاملات غير صحيحة مع الناس، وإن كل ما تطرحونه صحيح وموجود ولم تتمكن السلطات الحد منه، رغم الإجراءات المشددة التي يتخذها مكتب مكافحة اجرام النجف لغرض محاربة الحالات الشاذة التي تحدث في المقبرة، والتي تتجاوز في بعض الأحيان ما تطرحونه كي تصل إلى تناول الخمر والتجارة بالحبوب وهتك
الأعراض.
 ومن خلالكم أناشد أصحاب الضمائر من رؤساء عشائر وشيوخ ورجال دين إلى حث المواطن على التعامل مع أصحاب مكاتب دفن ذوي سمعة حسنة، ويتعاتبون ويتعاونون مع أصحاب المصيبة وأهل الموتى، ونحن لا نمسك العصا على المواطن بل نرأف به ونساعده ونؤدي الواجب له وننتظره لأشهر كي يدفع ما عليه من أجور وفي بعض الأحيان نسقطها تقرباً لله تعالى، لأننا ندرك أن الموت حق ولا مفر منه، وما يسري على الناس يسري علينا.
 
قانون مع وقف التنفيذ
رئيس اللجنة المشكلة بموجب القرار رقم ٣ لسنة ٢٠١٠ الصادر من مجلس محافظة النجف والتي أخذت على عاتقها حل جميع المشكلات في المقبرة، نجاح ميرزا (ابو اصيبع) قال: إن عمليات النصب التي تحدث في المقبرة متأتية من غياب الرادع القانوني الذي يحد من العناصر الاجرامية التي تصادر الأراضي داخل المقبرة، وتنتحل أسماء مستعارة لغرض الحصول على الأموال، ونحن كلجنة مشكلة بموجب القانون الذي شرعه مجلس المحافظة، لم نتوان في تقديم العون والمساعدة للجهات الأمنية، لغرض القضاء على هذه الظاهرة التي اخذت تسيء لمحافظة النجف الأشرف وإلى أصحاب المكاتب الذين كانوا يستضيفون الزوار والمرضى من محافظات أخرى، واصبحوا الآن في نظر الآخرين ينصبون وينتحلون، إن الامر يحتاج إلى وقفة جادة، خاصة إن الواقع مشخص من قبل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية.
وأكد «أن جميع أصحاب المكاتب المجازين من قبل دائرة البلدية معروفون بمهنيتهم وأخلاقهم وعلاقاتهم الطيبة مع أهالي الموتى، لكن هناك من يعمل خارج هذه السياقات، مستغلاً حاجة الأهالي إلى أسعار زهيدة في التعاملات». 
وأوضح «أن الأجهزة الأمنية القت القبض قبل أيام على عصابة تسرق المرمر والرخام من القبور، وتقوم ببيعه إلى المعامل مرة أخرى»، ودعا ميرزا الأهالي إلى ضرورة التعامل مع أصحاب المكاتب المجازين والمعروفين، والابتعاد عن التعامل مع المشبوهين الذين يجوبون المقابر ليلاً ونهاراً، وعن أهمية انشاء المقبرة النموذجية الجديدة، بين أنها ستحل غالبية المشكلات، وذلك لأن هناك شركة تتبنى التوزيع بالشكل الرسمي، اضافة إلى أن المقبرة أكثر تنظيماً من حيث الشوارع والمساحات، ولا تسمح لذوي النفوس الضعيفة بالتدخل واستغلال المواطن، الا اذا اللهم هناك من يريد أن يدعمها لغاية في نفسه، واعتقد أن زيادة فعالية المراقبة الأمنية ورفع درجة وعي المواطن كفيلان بتجاوز هذه المشكلات التي نسميها مستعصية، لأنها أخذت حيزاً أكبر من اهتماماتنا، وأثارت نزاعات أسرية، نحن في غنى عنها لو كان أمر المقبرة القديمة أكثر تنظيماً ويحظى بدعم السلطات
المختصة.