الموهبة أكبر من التكنولوجيا .. الخط العربي أنفاس أبدية

ريبورتاج 2022/02/07
...

 ابراهيم هلال العبودي
لم يلفظ الخط العربي انفاسه الاخيرة، أو أنه مات سريريا، بسبب التطور التكنولوجي كما أشيع، بل بقي كما هو في أجمل التراكيب ضمن فن الكتابة.
هذا الانطباع نقله رئيس جمعية الخطاطين العراقيين الدكتور روضان بهـية داود، موضحا، أن هناك تجارب فنيَّة في مجال اللوحة الخطية كسرت القواعد النمطية السائدة، كأن تكون تكويناتٍ حرةً غير مقيدة بالتناظر، تأسست على فكرة ضرب المراكز البصرية للتكوينات، أو تقوم على فكرة نثر الحروف في تكوينات لا نصية، مشيرا إلى أن بعض هذه التجارب دخل ضمن فضاء المتبنيات الحروفية أو ما يعرف بمدرسة (البعد الواحد)، وبعضها لم يتقيد بقواعد بنى الحروف وإنما أخضعها الى متطلبات الإنشاء الخطي.
 
تجارب الحداثيَّة
واضاف داود، ان الخطاط يضحي بهيئات الحروف القواعدية لصالح مسارات التراص أو التكرار أو الحركة غير المقيدة باتجاهات محددة، وغير ذلك من التجارب، مستدركا، أن الحكم على جودة تلك التجارب ومدى نجاحها فنيا أمر مرتبط بقدرة الخطاط على الإقناع.
وبين داود، أن تجارب الحداثية أغنت ميدان الخط العربي، ولكن بعضها الآخر شكل إساءات وتشويهات غير مقبولة، لافتا إلى أن مقتضى الحال إن أي تجربة فنية حديثة لا يفترض أن تكون هادمة للأنساق التقليدية لفن الخط العربي، لأن تلك الانساق تمتلك من الرصانة والجزالة الفنية التي تبلورت عبر قرون طوال حتى استقرت على هيئات وأشكال منمقة.
وعد داود، أي محاولة  لتغيير على صور الحروف في الخطوط الأصيلة كالثلث والنسخ والنستعليق والإجازة والديواني الجلي والديواني وحتى الرقعة سيُنتِج تشويها غير مقبول، مؤكدا أن (فنون الخط العربي، المهارات والمعارف والممارسات) تمَّ تسجيلها على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية في اليونسكو من اجل استمرارية هذه الفنون الى الأجيال القادمة وصونها من الاندثار والضياع.
 
صافرة الانذار
اما نائب رئيس جمعية الخطاطين العراقيين الدكتور عبد الرزاق الكناني، فكان له رأيٌ آخر عن تاثير الحداثة، مؤكدا أن دخول التقنيات الحديثة دقت صافرة الانذار واطلقت صيحات الفزع والحذر، من أن يؤدي تحول عدد كبير من المهتمين والعاملين في مجال الخط العربي الى استعمال تقنيات الحاسوب والحصول على القوالب والاشكال النمطية وثباتها، من دون بصمة الانسان على الخط الى حالة من الرتابة، ويسهم في القضاء على عناصر الابداع لدى الموهوبين والفنانين في هذا مجال، مستبعدا أن تحل التقنية محل الخطاط المبدع الذي يكتب بخط يده بأشكاله وفنونه وابداعاته. 
 
ابتكار
وتضامن الدكتور الناقد جواد الزيدي مع ما طرحه الدكتور داود، قائلا: إن تأثير الحداثة يصنف بالفعل الايجابي على الخط العربي، ويمكن أن تعد اضافات نوعية لهذا الحقل الفني من خلال المعطيات الشكلية وتراكمات الخطابات البصرية، التي اثرت بشكل فاعل على اجناسية الخط العربي بشكل عام، مشيرا إلى أن محاولات مثل هذه تضع الخط العربي بموازاة الحقول التشكيلية الأخرى، كونه اتجه نحو الشكلانية بوصفها شأنا أوليا يأتي المضمون النصي لاحقا له والاحتفاء بالحروفية، فضلا عن تداخل الأجناس في اللوحة الخطية مثل (الرسم والنحت والكرافيك) وتوظيف تقنياتها أيضا.
وأوضح الزيدي أن البرامج التي أدخلتها التكنولوجيا على الخط العربي أثرت باتجاهين أولهما ايجابي والآخر سلبي، الايجابي يكمن في توفير وقت الخطاط وجهده من خلال عدم تكرار كتابة الحرف والكلمة وامكانية اجراء المونتاجات الرقمية عليها والمماثلة الشكلية دون انزياحات على صعيد الشكل الخارجي، بينما يتمحور السلبي قي التوظيف السيئ للحرف التي تفرضها البرامجيات المعتمدة على خطوط وضعها انصاف الخطاطين، ما يؤثر سلبا في شكل الحرف وجماليته وتشريح بنيته الفنية.
وتوقع، أن يشكل الانفتاح الذي حققته أدوات التواصل الرقمي حافزا في عدم تتبع الأثر السابق وخطاه، التي تضع الحافر على الحافر وتدعوه لابتكار نموذج آخر بعد أن أسقطت الحواجز وبعض المحظورات في هذا الحقل.
وأرجع الزيدي، ضعف تأثير الحداثة والتكنلوجيا على شكل الخط العربي إلى عدم امكانيته ان يتحدد ضمن اساليب حداثوية، والا يخرج من مضمونه التراثي والاثري العريق والاصيل. 
 
مبرمجون لا خطاطين
وتحدث رئيس قسم الخط العربي والزخرفة في كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد الدكتور فرات جمال العتابي قائلا: لم يحدث اي تطور في شكل الحرف الاصلي والتقليدي، ولكن هناك بعض المحاولات من بعض الخطاطين، وهم ليسوا خطاطين بمعنى الخطاط الحقيقي او الخطاط المحترف، ويمكن أن نطلق عليه تسمية او مصطلح (المصمم الذي يهوى الخط)، فيقوم هذا المصمم بتحوير شكل الحرف في بعض الاحيان لغايات تصميمية.
ونفى العتابي تاثير الحديثة على عالم الخط، من أنه إطلاقا لم يؤثر في الكتابة باليد، ناهيك أن هذه الفونتات او الخطوط العربية الموظفة لأغراض التصميم الطباعي فيها الكثير من العيوب والسلبيات والنواقص، لأن هذه الفونتات برمجت من خلال مبرمجين اجانب وليس عربا او خطاطين محترفين.
 
روح الكاتب
وشاركه في الرأي الخطاط ياسر عزاوي، موضحا، تبقى حركة اليد في رسم الحروف أكثر جمالا وتاثيرا في نفس المتلقي، لأنه يستشعر روح الكاتب وجهده في صنع أجمل التراكيب، اما عملية الحاسوب والعمل على تحسين اشكال الحروف فهي بوابة لدخول من هم ليس أهل الخبرة والمعرفة في فن الكتابة (الخط) والعمل على استغلال جهود الاساتذة الكبار والأقدمين بغير حق.
اما عن الاستحداث للحروف، استرسل عزاوي، لا توجد اضافات على مستوى الخط العربي وكل ما ينتج من اشكال كتابية او حروف كومبيوترية (فونتات)، انما هو استنساخ لتجارب سابقة مع بعض الاضافات والتي للاسف في بعض اشكالها عملت على تشويه شكل الحرف والخروج عن صورته الحقيقية المألوفة.