عقائد الأحزاب في أيقونات رمزيَّة وشعارات تشكيليَّة

ريبورتاج 2022/02/08
...

   عدنان أبوزيد
  يصبح الشعار المتجسد في تشكيل فني بالرسم، أقرب الوسائل إلى إيصال الأفكار في عصر الصورة والنشر السريع، حتى باتت أغلبية الكيانات السياسية والأحزاب تكتفي بشعاراتها المرسومة، من دون الاستعانة بعبارة نصية، في عصر يفتقد فيه الإنسان إلى الوقت ويسعى إلى اختصار جهد المتابعة والتركيز. والشعارُ في اللغة العربية هو رسم أو علامة أو عبارة مختصرة يتيسر تذكرها وترديدها، وتتميَّز بها دولة أو جماعة، وفقاً لقاموس المعاني، وفي الماضي، كان هو الصبغة او الشارة التي يتفق عليها القوم ليميزوا بعضهم.
وفي العراق، الذي يعج بأحزاب وحركات سياسية، كثيرة، لا بد لهذه الكيانات من تمييز هويتها، وعقائدها، عبر رموز دالة عليها، حالها في ذلك حال كل الأحزاب والتنظيمات السياسية في العالم.
وفي حين إن الكيانات السياسية العراقية، صمّمت شعارات، لترجمة عقائدها السياسية، والتعريف بهويتها، إلا أن البعض منها لم يستطع تحويل تلك الرموز إلى ماركة سياسية يعرفها المواطن بتلقائية، فما زالت أحزاب كثيرة لا يميزها المواطن عبر الشعار المرسوم
لوحده. 
 
ألوان وقبب وزخارف
وأحدث كيان سياسي في العراق، وهو حركة امتداد التي دخلت انتخابات 2021 منفردة، وحصدت تسعة مقاعد في أول دورة برلمانية لها، تبرز نفسها للجمهور، عبر تشكيل لاسمها بخط بارز باللغتين العربية والإنكليزية، بينما حوّل أحد الأحزاب العريقة في العراق، وهو حزب الدعوة الإسلامية، الذي تأسس العام 1957 اسمه إلى زخرفة بالأخضر الفاتح، في ما يبرز أول حرفين من الاسم إلى الأعلى باللونين الاخضر والأحمر، ليشكلا قبة، كما تتناسق خطوط الشكل مشكّلة نافذة بطراز
اسلامي.
واتخذت الهيئة السياسية للتيار الصدري شعارها على شكل قبّة، يشكّلها علم العراق من الجانبين، وكُتب في وسطها اسم الهيئة، بينما الكتلة الصدرية اتخذت من يد ترفع عصا، رمزاً لها بخلفية دائرية خضراء، كتب تحتها اسم الكتلة.
وتيار الحكمة الوطني الذي تأسس في بغداد في العام 2017، رسم اسمه على شكل سعفة باللون الأصفر، مع خلفية بالأزرق وهو اللون الذي يميز
التيار.
والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي تأسس العام 1982 يتبنى شعاراً يمثل خريطة العراق مقرونة بشمعة يشع نورها عبر ألسنة إلى الجوانب، وتظهر على شعار المجلس، رموز إسلامية مثل القبة، تحيط بها كفان متصافحتان.
 
الشعارات والواقع
يتحدث أستاذ الفن في اكاديمية الفنون في بابل عبد المجيد السعدي، لـ «الصباح» عن أن «عوامل سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية تتداخل في اختيار الشعار السياسي، كي يصل إلى النضج التعبيري والرصانة والخصوصية، كما أنه يجب أن ينتمي إلى المكان والزمان، كي ينجح في التعبير عن الهوية». 
الكاتب والمحلل السياسي حيدر سلمان يقول لـ «الصباح» إن «هنالك فرقاً بين شعارات الأحزاب المكتوبة على الرايات والتي تعّبر عنها الايقونات والتصاميم، لكنها لا تلامس التطبيق العملي عبر تنفيذ البرامج الانتخابية، وفي الكثير من الحالات تعتبر دغدغة للمشاعر».
وبسبب ذلك يرى سلمان أن «الشعب العراقي يحتاج إلى تجسيد تطلعاته، ليس فقط في الشعارات المرفوعة، بل في التطبيق».
المحلل السياسي والكاتب عمر ناصر بيّن لـ «الصباح» أن «الشعارات في جميع التحولات السياسية هي مركز الجذب الذي يسيل له لعاب الجماهير»، معتبراً أن «فقدان رونق وبريق الشعارات السياسية يعزى إلى عوامل عدة، منها الفشل في تحقيق المنجزات التي وعد بها المتصدون للمشهد السياسي».
 
شموس ومصابيح وجبال
واستلهمت حركة الجيل الجديد التي تأسست في السليمانية، العام 2017 من النور، شعاراً على هيئة مصباح في داخله هيأة شخص يمد ذراعيه في
الفضاء.
ويرى الرسام شبيب المدحتي من دار الكتب والوثائق في بغداد، في حديثه لـ «الصباح»، أن «فن تصميم الايقونات السياسية والشعارات على الرايات والأعلام، عمل حساس للغاية، لأنه سوف يكون واجهة الكيان السياسي، والاجتماعي، والمعبر عن الايديولوجيات، وعلى المصمم أن يكون على ثقافة عالية ووعي، لكي يترجم الأفكار إلى رسوم ورموز مختصرة».
ويعتقد المدحتي، أن «المصممين العراقيين، ولاسيما الأكاديميين منهم، قادرون على الإنتاج، وفق أحدث التقنيات، فضلاً عن امتلاكهم الوعي السياسي والثقافي والذائقة الفنية العالية، وكل ذلك ينعكس على الخطوط والأشكال التي يرسمونها».
ويشير المدحتي إلى أن «شعارات أحزاب عالمية، بتصاميم جذابة وحداثوية، وعلى مستوى عالٍ من الانسجام، قد تحولت إلى ما يشبه الماركات العالمية، وأصبحت الأحزاب معروفة من
خلالها».     
ويسمي المدحتي «مبادئ تصميمية فنية مهمة في رسم الشعار مثل اللون، والخط، والوضوح والدلالة، كي يختصر الرسائل المطلوبة ذات الصلة بالمكان والتاريخ والعقائد وارادات الشعوب».
ويدعو الأكاديمي والمحلل السياسي غالب الدعمي في حديث لـ «الصباح»، «الأحزاب السياسية إلى تطبيق الشعارات، واذا لم يتحقق ذلك فسوف يحكم عليها الجمهور بالفشل».
 
تناظر الرموز
واختار المؤتمر الوطني العراقي، الذي تأسس على يد السياسي العراقي أحمد الجلبي أحرف اسمه، كشعار، بألوان العلم العراقي.
وطرّز الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تأسس في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وهو أحد الأحزاب الكردية في العراق، شعاره بوردة حمراء تنمو وتنتشر في كردستان، رُسمت أوراقها على شكل سنبلتين
مائلتين.
والاتحاد الاسلامي لتركمان العراق الذي تأسس العام 1990، شعاره، خارطة العراق وفي داخلها العلم الوطني.
ويشير شعار حزب الفضيلة إلى صبغته الاسلامية، فهو يمثل شمساً مشرقة بأشعة صفراء وأمامها خارطة. 
ويمثل شعار الحزب الدستوري العراقي الذي تأسس العام 2005، خارطة العراق، وتحتها القرآن الكريم. وخارطة العراق ونهرا دجلة والفرات، زينت شعار حركة (الوفاق الوطني العراقي) إلى جانب أيادٍ متصافحة، وتحيط بها سنبلة وغضن أخضر من الجانبين.
 
الحمار والفيل
وشأن الأحزاب العراقية، شأن الكيانات السياسية في العالم التي اشتهرت برموزها وايقوناتها، التي أصبحت تعرف من خلالها، وتحول بعضها إلى ايقونات عالمية معروفة في كل
البلدان.
وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن مجرد ذكر الفيل في خضم جدال سياسي، وكلام عابر، يعني الحزب الجمهوري، الذي اتخذ من هذا الحيوان رمزاً، منذ القرن التاسع عشر، بينما تعود أصول الحمار الديمقراطي إلى الحملة الرئاسية لعام 1828 لأندرو جاكسون، وفي سبعينيات القرن التاسع عشر، ساعد رسام الكاريكاتير السياسي المؤثر وأبو الرسوم الكاريكاتيرية السياسية الحديثة توماس ناست في الترويج للحمار كرمز للحزب الديمقراطي بأكمله.
وفي العام 1854 ظهرت صورة الفيل كرمز جمهوري في رسم كاريكاتيري سياسي نشرته الصحف خلال الحرب الأهلية، عندما كانت عبارة «رؤية الفيل» تعبيراً يستخدمه الجنود للإشارة إلى خوض
المعارك.
 
حمامة السلام
وحمامة السلام هي شعار الحزب الشيوعي العراقي، وهو من أقدم الأحزاب العراقية.
وعكس الشيوعيون لونهم المحبب وهو الأحمر بجعله خلفية للشعار، بينما الحمامة حملت على جناحيها، عبارة (وطن حر وشعب سعيد).
والحزب الإسلامي العراقي الذي تأسس العام 1960، رسم ايقونته السياسية على شكل دائرة يقسمها خط متموج، قسمها الأعلى شمس، وفي جزئها الأسفل أشجار نخيل خضراء، وتحتضن الدائرة
سنبلتين.
الباحث مكي السلطاني، وهو صاحب مكتب تصميم وطباعة في النجف، يقول لـ «الصباح»، إن «العراقيين قبل الأحزاب، جسدوا الأمنيات دائماً على شكل شعارات كتبت على الجدران وقصاصات الورق وكانت توزع بخوف شديد، منذ تأسيس الدولة العراقية، والأنظمة السياسية المتعاقبة»، معتبرا أن «الشعارات المرفوعة هي تنظير، وحبر على ورق إذا لم تصل إلى
التطبيق».