أسوة بعشرات غيرها في البلاد قرية الرحبة في النجف.. أهمية تاريخيّة ودينيّة مهملة

ريبورتاج 2022/02/14
...

 حسين الكعبي 
تتشابه جميع قصص الحرمان التي تعيشها القرى المختلفة في محافظات العراق على نحو او آخر، فهي بعيدة عن المدنية لأسباب عدة، وتعاني الاهمال والنقص الكبير في الخدمات ومشاريع البنى التحتية، حتى وإن كانت تحمل بين جنباتها، أهمية دينية او أثرية او تراثية او اقتصادية.  
 وعلى بعد 35 كم جنوب غرب مركز محافظة النجف الاشرف، تقع قرية الرحبة بمنازلها المتباعدة وأراضيها الزراعية الواسعة، والتي تمثل أنموذجا حيا لما سبق. 
 
الطريق القديم للحج
إذ يرى سكان القرية أنها بعيدة عن اهتمام المسؤولين، برغم جذورها التاريخية وموقعها المتميز وأراضيها الصالحة للزراعة، بيد أنها تفتقر لأبسط الخدمات كمياه الشرب والمدرسة، كما يقول أحد سكانها وهو علي محمود، موضحا لـ(الصباح): أنه "يستغرب إحجام الجهات الحكومية عن الاهتمام بالمعالم التاريخية للقرية كقصر الرحبة وطريق الحج البري القديم، الذي يرى المؤرخون أن جزءاً منه كان طريقاً للإمام الحسين (ع) في مسيره إلى كربلاء".
ونوه بأن "القرية يعاني أطفالها من عدم قدرتهم على إكمال دراستهم بعد الابتدائية، كون أقرب متوسطة تبعد عنهم ٣٠ كم، وقلة فقط من نجحوا بإكمال تعليمهم بذهابهم للسكن مع أقاربهم في مركز المحافظة، كما إن تلاميذ القرية تضرروا كثيرا من التعليم الإلكتروني لعدم وجود تغطية للانترنت في القرية".
ويضيف محمود أن الكثير من أبناء القرية يعملون كفلاحين في أراضٍ يملكها أشخاص من خارج القرية، لأنهم لا يملكون المال الكافي لاستصلاح أراضيهم الخاصة بهم، ومع تراجع تربية المواشي بسبب قلة الأمطار وارتفاع أسعار العلف، فإن هناك من اتجه إلى العمل في المقالع او في معامل غربلة الحصى الموجودة في المنطقة. 
 
استصلاح الأراضي
اما مختار القرية حسن خوشان سالم، فيقول لـ(الصباح): أنه "وبرغم المساحات الشاسعة من الاراضي الصالحة للزراعة، فإن 30 الف دونم فقط مزروعة بالحنطة والشعير، اعتمادا على الآبار، بينما أهملت مساحة شاسعة بالرغم من أنها أراض طينية صالحة للزراعة"، مرجعا ذلك الى "عدم حصول مزارعي الحنطة لمستحقاتهم المالية عن الموسم الماضي، ما جعل الكثيرين يحجمون عن زراعة أراضيهم من جديد".
أما من الجانب الخدمي، فيوضح أن "القرية تعاني من تذبذب تجهيز التيار الكهربائي، وعدم توفر مياه الشرب كونها تعتمد على سيارة حوضية للحصول على الماء، وعند عطلها او توجهها إلى منطقة اخرى، فإن القرية تحرم من الماء". 
 
أهميتها التاريخيَّة
من جانبه يقول مدير الناحية علي الغزالي للـ(الصباح): إن "قرية الرحبة لها امتداد تاريخي عريق، ففيها قصر الرحبة الذي يعود تاريخه إلى العهد العباسي، وأعاد بناءه قبل أكثر من 200 عام السيد محمود الرحباوي، بيد ان القصر مهمل حالياً وليس هناك أي اهتمام به من قبل هيئة الآثار".
وتابع أن "للقرية اهمية دينية مهمة، كونها تضم مرقد السيد محمد بن الحسن من أحفاد الإمام الحسن (ع)، اما عيون الماء التاريخية فيها والتي يعود تاريخها إلى مئات السنين، فقد دمرت بسبب القصف الأميركي عام 1991، ولم تتم معالجتها او إيجاد حلول لها منذ ذلك الوقت وحتى الآن".
 
رقي الرحبة
أما عضو اللجنة الشعبية لحماية الآثار والتراث الدكتور عقيل غالب فقد تحدث لـ(الصباح) قائلاً: إن قرية الرحبة فيها معالم تاريخية وسياحية تؤهلها لتكون من المرافق السياحية المهمة على مستوى العراق وليس على مستوى النجف فقط . فعلى سبيل المثال هناك عيون الماء القديمة التي أعاد احياءها السيد محمود الرحباوي، وشيد بجانبها قصر الرحبة في القرن الثامن عشر الميلادي. ويقول غالب إن القصر مبني على الطراز العباسي ولكن لا نعلم يقيناً إن كان يعود لذلك العصر، وقد تكون أساسات القصر او ما حوله من بقايا العصر العباسي لذلك نحتاج إلى التنقيب لنتأكد من ذلك. 
 
القادسية وعيون الماء
لافتاً الى أن عيون الماء بعد إحيائها كونت جدولاً استخدمه الناس في الزراعة آنذاك، واصبحت الرحبة انذاك منطقة زراعية تنتج مختلف محاصيل الخضر كما اشتهرت بزراعة الرقي المعروف بـ(رقي الرحبة) وهو من اجود انواع الرقي. كما أصبحت الرحبة منتجعاً سياحياً يقصده أبناء النجف للاستجمام، ومن ضمنهم علماء الدين الذين كانت تربطهم علاقات قوية بالسيد محمود الرحباوي. ويضيف غالب إن الرحبة كانت محطة للقوافل التي تأتي من البادية إلى النجف لشراء الحنطة والشعير وكل ما تحتاجه . ويرى غالب أن العصر الذهبي للرحبة انتهى بعد مقتل السيد محمود الرحباوي واندثار قصره الشهير، ثم جاء القصف الأميركي عام 1991، الذي دمر عيون الماء ليقضي على الزراعة فيها، ليصبح اعتمادها على مياه الأمطار وعلى الآبار التي يحتاج حفرها إلى مبالغ كبيرة. 
مشيراً الى أن عيون الماء يمكن إعادتها من خلال شركة حفر الابار وأحياء المنطقة من جديد. كما ان التنقيب في هذه المنطقة يمكن أن يكشف الكثير من الآثار، فهناك روايات تشير إلى أن معركة القادسية وقعت بالقرب من هذه المنطقة، ويمكن أن يكون مرقد محمد بن الحسن هو بقايا لقبور شهداء تلك المعركة.