الحجارة.. رمزية ارتبطت بالكفاح والثقافة والبناء وتقويض القوى الظلاميَّة

ريبورتاج 2022/02/16
...

  محمد عجيل 
للحجارة بكل أنواعها حكاية تنطلق تارة من الكفاح حتى سميت بعض الثورات (ثورة الحجارة)، كما هي ثورة أهلنا في فلسطين التي واجهت غطرسة الكيان الصهيوني الغاصب، وتلك الحجارة لها ألف حكاية وحكاية سنرويها لاحقا، وللحجارة دور كبير في البناء حينما استخدمها أهلنا في بناء البيوتات في العقود العشرينية والثلاثينية من القرن الماضي، واطلق وقتها عليها بيوتات من حجارة، وكما للحجارة أثرٌ في أفواه الكتاب والمثقفين الذين استخدموها للتعبير عن المواقف التي تعتريهم.
 
 وأخيرا أصبحت الحجارة وسيلة في تقويض القوى الظلامية في انظمة بائسة لم تراعِ حقوق شعوبها، وتسببت في حينها بإسقاط أنظمة بقيت جاثمة على كرسي السلطة عشرات السنين، كما حصل في ثورات الربيع العربي في تونس ومصر والسودان والجزائر، ومن ثم ثورة تشرين الخالدة في العراق.
 
الحجارة في مآثر الأقوال
قال الله تعالى في سورة الفيل (فارسل عليهم طير ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل)، للحجارة مكانة مهمة في أقوال الحكماء والشعراء والمثقفين، من خلالها أرادوا تصوير الصمت في مشهد، وتصوير القوة في مشهد اخر، فهذا الراحل محمود درويش يقول «وخذوا ما شاتم من صور كي تعرفوا انكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء»، بينما ينشد الشاعر العراقي أحمد مطر قائلا «كن طري القلب سمحا رقيقا مثلما اي حجر.. لا تكن مثل سلاطين البشر»، وهنا يمزج مطر الحجر بالسماحة ورقة القلب، ويقول الرواىي السوداني الراحل الطيب صالح «لا لست أنا الحجر الذي يلقى بالماء، ولكني البذرة التي تبذر في الحقل»، بينما يعطي الكاتب وليم شكسبير الحجر وصفا فلسفيا جميلا قائلا: «ينام المتعب على وسادة من حجر ليستريح، اما الكسول فلن يجد الراحة ولو على وسادة من الريش»، ويصف لقمان الحكيم شدة الكلام بالحجر اذ يقول: «إن من الكلام ماهو أشد من الحجر، وأنفذ من وخز الأبر، وأمر من الصبر وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع، فازرع فيها الكلمة الطيبة، فان لم تنبت كلها ينبت بعضها»، ويقول الكاتب اللبناني جبران خليل جبران «لتعط كل انسان وفق حاجته فالخالق لا يعطي الملح للعطشان ولا الحجر للجوعان ولا اللبن للفطيم»، ويصف شاعر الغزل نزار قباني مشاعر مثل الحجر ويقول: «انا مضطر الى حبك/ حتى أعرف الفارق ما بيني وبين الحجر».
 
ثورة الحجارة
منذ نهاية العقد الثمانيني انطلقت في فلسطين المحتلة ثورة شعبية اطلق عليها ثورة الحجارة، لأنها استخدمت الحجارة سلاحا لايقاف الغطرسة الصهيونية، وأخذت تلك الثورة حيزا واسعا من الاهتمام حتى دخلت أروقة الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتناولتها مختلف أجهزة الإعلام العالمية، وأخذت حيزا كبيرا من تصريحات رؤساء الدول، وكادت تحقق أهدافها لولا الانقسام في القرار العربي والفلسطيني، يقول بسام عوض الله من خان يونس أحد أهم معاقل انطلاق تلك الثورة الشعبية «إن استخدام الحجارة جاء لعدة أسباب، منها أنها رمزٌ للسلام في ظل الأسلحة المدججة التي يمتلكها الكيان الصهيوني، حيث الدبابات البرامز والطائرات F 16 والمدفعية العملاقة التي تدك فيها كل يوم بيوت الآمنين في المناطق، واستخدام الحجارة يعني التحدي والصمود». وأكد كان لدينا شعور أن حجارتنا ربما لا تحقق شيئا أمام عدو غاصب، لكننا كنا متيقنين أن ثورتنا ستأخذ أبعادا أكثر لدى الراي العام العالمي، والحمد الله تمكنا بفضل هذه الحجارة أن نجبر مجلس الأمن على اصدار ثلاثة قرارات متتالية في غضون اسبوعين في صالح القضية الفلسطينية.
ويرى بشير شعبان من الضفة الغربية «أن الحجارة ستبقى في ذاكرة الشعب الفلسطيني عشرات السنين بعد أن اسهمت في استعادة الصمود الفلسطيني الذي تعرض للانتكهاك بعد اتفاقيات اوسلو عام 1994».  وأوضح أن رمزية الحجارة لدى الشعب الفلسطيني أصبحت شعارا في ما بعد لدى شعوب كثيرة أرادت تغيير واقعها السياسي، حتى وجدنا ان هناك أنظمة تغيرت في العديد من الدول العربية بفعل جهود وصمود من حمل الحجارة، وربما يكون الشعب الفلسطيني أكثر الشعوب تضحية بعد أن وصل عدد الشهداء الى ألف وثلاثمئة شهيد في غضون الثورة، لكنه أصبح أكثر الشعوب استخداما للحجارة من أجل نيل حقه في تقرير المصير، وهو بكل تأكيد أكثر الشعوب تفهما لدور الحجارة أثناء الثورات. 
 
الحجارة الدامية
شهدت بعض التظاهرات التي اجتاحت العالم العربي استخداما مفرطا للحجارة كوسيلة للدفاع عن النفس، وربما يتذكر قارؤنا الفاضل ما حدث في مصر ابان الثورة الشعبية، وكانت أكثر المشاهد عنفا في استخدام الحجارة كانت في العاصمة المصرية القاهرة عام ٢٠١١ ابان الثورة، التي انطلقت لإسقاط نظام حسني مبارك والتي أطلق عليها حينها (يوم الاربعاء الدامي) بسبب الإفراط، الذي استخدمته القوى الأمنية بوجه المتظاهرين الذين كانوا لا يحملون سوى الحجارة، يقول الزميل سليم مسعد من جريدة الوفد: «أتذكر جيدا ذلك المشهد الذي انطلق في شارع رمسيس وسط القاهرة، حيث كان المتظاهرةن سلميين يهتفون في إسقاط نظام حسني مبارك، لكن القوى الأمنية واجهتهم بوابل من الرصاص، وقتلت العشرات منهم، فما كان من المتظاهرين الا استخدام الحجارة للدفاع عن نفسهم، وفعلا شاهدت تراجعا واضحا للشرطة وقوة مكافحة الشغب، وسقط العديد منهم مصابا في رأسه تارة وفي عينه تارة أخرى». وأكد «أن الشعوب المستضعفة التي تبحث عن الخلاص من الأنظمة المستبدة، لا تملك سلاحا سوى الايمان والصبر والتضحية، وحينما تدخل في مواجهات مع الشرطة فلا مناص من استخدام الحجارة لغرض تقويض القوى الظلامية». وقال في وقتها اجرينا تحقيقا صحفيا مصورا عن كيفية الحصول على الحجارة من قبل المحتجين في مناطق القاهرة الراقية، ووجدنا أن هناك فرقا جوالة واجبها جلب الحجارة من أحياء القاهرة القديمة عبر «التك تك» او العربات التي يجرها الحمير، وكتبنا وقتها أن سلاح المحتجين بوجه الغطرسة الأمنية هو (مصري خالص) في اشارة الى تلك الحجارة العجيبة التي هزمت أمن الدولة، وأوقفت قدرات الأمن المركزي، وحولت ارادة الشعب الى حقيقة تجسدت في استقالة الرئيس المخلوع الراحل  حسني مبارك. 
وفي تونس والسودان فعلت الحجارة فعلتها من أجل إسقاط الأنظمة، التي استندت في بقائها على ديمقراطية زائفة تربع على عرشها في تونس الراحل زين العابدين بن علي، وفي الخرطوم السجين عمر احمد البشير، بعد أن تمسك الشعبان التونسي والسوداني بخيارات السلمية ومواجهة الأسلحة المدججة بالحجارة.
 
وحدة الاحتجاجات
تسببت الاحتجاجات التي شهدها العالم العربي واسقطت من خلالها انظمة بوتفليقة وزين العابدين بن علي وحسني مبارك وعمر البشير ومعمر القذافي الى الدعوة بتوحيد الاحتجاجات، انطلاقا من مدينة وول ستريت  الاميركية بعد محاولة المحتجين تحويله الى ميدان للتحرير، مما دفع الشرطة واغلاقه والتصدي للمحتجين، الذين استخدموا الحجارة بإفراط، ووقع عدد من أفراد الأمن مصابين وملطخين بالدماء، واعتلت الأصوات بعد أن توسعت التظاهرات في مدن أميركية اخرى مطالبة بتغيير الأنظمة العالمية، وتشير الاحصاءات الى تدمير قرابة أربعة آلاف بين متجر ومطعم ومؤسسة خاصة وعامة، بسبب الهجوم عليها بالحجارة من قبل المحتجين، وكانت بعض أسباب تلك الاحتجاجات تتعلق بالحروب وضرورة ايقافها وبظاهرة الاحتباس الحراري، وما لبثت تلك الاحتجاجات الى أن وصلت الى اوروبا والاميركيتين، وشهدت العاصمة الفنزويلية كراكاس هي الاخرى مواجهات بين الشرطة الذين يدافعون عن نظام نوكولاس مادرو.
 
احتجاجات أوروبية
لم تستخدم الحجارة فقط في ثورات الربيع العربي، ولم تكن تلك الثوات مصدرها فقد انطلقت اساسا في الاحتجاجات التي شهدتها اوروبا في بداية القرن العشرين، سواء ما يتعلق منها في الأزمات الاقتصادية مثل الأزمة المالية في اليونان، واحتجاجات العمال في بولندا او ما تسمى بحركة التضامن التي أشعلها عامل كهرباء عام 1982 وهو القيادي العمالي ليخ فاليسا تصديا لقوانين العمل وتحديد الاجور، او تلك التي تتعلق بالانفصال مثل ما حدث في اسبانيا، حيث يطالب شعب كاتلونيا بالانفصال عن المملكة الاسبانية، ويبدو أن بريطانيا وفرنسا هما اكثر دولتين أوروبيتين تشهدان بين الحين والاخر ثورات بالحجارة، نتيجة التقلب المزاجي الذي تشهده القوانين الحكومية التي تتعلق بالاجور والعمل والازمات الاقتصادية. 
كما شهدت العاصمة الفرنسية باريس مواجهات دامية بالحجارة من قبل  أصحاب السترات الصفراء، وهم فئة شعبية من العمال ودافعي الضرائب والتي ارتبطت شرارتها الاولى برفع اسعار والوقود والتكاليف المعيشية، وقد حققت تلك الحجارة مغزاها بعد ان وضعت الحكومة الفرنسية قرابة 17 مليار يورو من أجل الاصلاح الاقتصادي. 
بينما اعتبرت حكومة ترامب الحجارة التي استخدمها المحتجون في واشنطن ونيويورك وتاكساس ونيوجرسي ومنيسوتا ولويزيانا، بعد مقتل رجل اسود يدعى فلود على يد الشرطة الأميركية بأنها تعبير عن اسلوب همجي غايته تدمير البنى التحتية الأميركية، بعد أن وصلت تلك الحجارة حتى الى البيت الابيض.
 
الحجارة التشرينيَّة
استخدم العراقيون الحجارة بعد أن غابت عن ايديهم عقود من الزمن رغم ثوراتهم المتكررة ضد النظام البعثي التعسفي، الا أن ما حصل في ثورة تشرين كان البداية، واكيد لن يكون النهاية طالما بقي نظام المحاصصة السياسية وتفشي الفساد متمكنين من الارادة الحكومية وهيبة القانون، وقد مسك العراقيون الحجارة كي يعبروا بها عن نفد صبرهم جراء سياسة الاهمال التي تعاني منها أغلب المدن العراقية، يقول النشاط والمتظاهر علاء حسين العربي «ان استخدام المحتجين السلميين للحجارة كان شعارا لرفض السياسة التي استخدمت ما بعد المتغيرات السياسية في عام 2003، والتي لم يجنِ ثمارها الايجابية الشعب العراقي، وقد نتفق أن أكثر المحتجين لم يصوبوا تلك الحجارة لغرض تخريب منشات ما او العبث بمؤسسة ما، بعدما كانت اسلوبا عن الاحتجاج لما يمر به البلد». 
وأكد أن «العراقيين مثل بقية الشعوب لهم مشاعر وأحاسيس وطنية يغضبون ويحتجون بأساليب حضارية دون ايقاع الاذى، وبغض النظر عن بعض المواقف الشاذة التي كانت دخيلة على الاحتجاجات، والتي شخصت من قبلنا ورفضناها اسلوبا ونهجا. وتبقى الحجارة رمزا للصمود والتضحية واسلوبا من أساليب نيل الحرية».