كشف أثري في العراق يغيّر نظريات حول بدايات الزراعة

بانوراما 2022/02/22
...

 كشف باحثون من جامعة "روتجرز" عن أقدم ادلة تؤكد زراعة نوع من الدخن يسمى "دخن بروسو" في العراق القديم، وهذا يتحدى التصورات السابقة بشأن أقدم الممارسات الزراعية في التاريخ البشري.
عن موقع "نيوزوايز"
 ترجمة: أنيس الصفار                                              
تقول "إيليز لاوجر"، وهي عالمة آثار بيئية وزميلة في مدرسة الفنون والعلوم بجامعة "روتجرز": "اكتشاف زراعة الدخن في العراق القديم ابان الحقب الوسطى يتعارض مع القصة المتفق عليها بشأن تطور الزراعة في المنطقة كما يخالف قوالبنا النموذجية حول كيفية توفير المجتمعات القديمة قوتها وتأمين غذائها."
تضيف لاوجر ان "دخن بروسو" محصول صيفي مرن سريع النمو إلى درجة مدهشة روضه الانسان لأول مرة في مناطق شرق آسيا. 
وقد أظهرت تحاليل الباحثين وجود بقايا نباتية مجهرية (فايتوليث) في عينات مأخوذة من منطقة "كاني ماسي"، وهو موقع في كردستان العراق يعود تاريخه إلى منتصف او اواخر الألف الثاني قبل الميلاد. 
تمضي لاوجر مستطردة: "وجود هذا المحصول، المنتمي اصلاً إلى شرق آسيا، في العراق يسلط الأضواء على طبيعة التواصل بين انحاء منطقة أوراسيا في ذلك الزمن وهذا يضيف إلى معلوماتنا المتعلقة بالبدايات الأولى لعولمة الغذاء. اكتشافنا الدخن، وبالتالي عثورنا على دليل يثبت وجود ممارسات في الزراعة الصيفية، يدفعنا ايضاً إلى اعادة النظر في القدرات والمرونة التي تميزت بها تلك الانظمة الزراعية التي كانت تؤمن الغذاء وتدعم الحياة في مدن ودول وامبراطوريات بلاد ما بين النهرين."
اكتشاف الدخن في العراق القديم كان مدعاة للعجب لأسباب بيئية وتاريخية لأن الباحثين كانوا يعتقدون ان العراق لم يعرف زراعة الدخن إلا بعد ظهور انظمة الري في اواخر القرن الأول قبل الميلاد. فالدخن بشكل عام يتطلب امطاراً صيفية لكي ينمو وينتج، في حين تتسم مناطق جنوب غرب آسيا بشتاء رطب وصيف جاف وهذا يجعل الانتاج الزراعي فيها معتمداً بشكل كامل تقريباً على زراعة المحاصيل الشتوية كالقمح والشعير.
من المعتقد ان الانتاج الزراعي كان هو اساس دعم وتموين المدن والدول والامبراطوريات في بلاد ما بين النهرين، والدليل الجديد الذي كشف للباحثين الان ان المحاصيل والغذاء كانت في واقع الحال تزرع حتى في اشهر الصيف يعني ان الدراسات السابقة ربما كانت قد قللت كثيراً من قدرات انظمة الزراعة وانتاج الغذاء التي كانت تمارسها المجتمعات القديمة في الأنظمة البيئية شبه الجافة.
 
اساليب 
العراق القديم
تمثل الدراسة الجديدة ايضاً جزءاً من بحث اثري يثبت أن الابتكار الزراعي في ذلك الزمن البعيد كان مبادرة محلية جرى اللجوء إليها كجزء من ستراتيجيات التنويع قبل أن يبدأ استخدامها في انظمة التكثيف الزراعي الملكية بوقت طويل، وهذه معلومة جديدة يمكن ان تكون لها آثارها على كيفية تطور الابتكار الزراعي في زمننا.
تقول لاوجر: "رغم إن الدخن ليس من الأغذية الشائعة او المفضلة في مناطق جنوب غرب آسيا شبه القاحلة او في الولايات المتحدة فإنه يبقى شائعاً في انحاء اخرى من آسيا 
وأفريقيا. 
فالدخن من محاصيل الحبوب النشطة والصحية وهو سريع النمو قليل الحاجة إلى الماء خال من الغلوتين وقيمته الغذائية عالية ومن الممكن ان يساعد مستقبلاً على الارتقاء بخصائص التحمل والمرونة في انظمتنا الغذائية للمناطق شبه القاحلة. على المبتكرين الزراعيين في زمننا ان يدرسوا فكرة الاستثمار في أنظمة غذائية اكثر تنوعاً ومرونة مثلما فعل سكان العراق 
القديم.
تضيف لاوجر انها وفريق البحث العامل معها يأملون في إشاعة اسلوب تحليل البقايا النباتية المجهرية (فايتوليث) لدى دراسة العراق القديم لأنها يمكن ان تقلب رأساً على عقب افتراضات كانت مسلماً بها بخصوص تاريخ الزراعة وممارساتها في
المنطقة. 
أبحاث فايتوليث الجارية حالياً مستمرة من خلال التعاون مع "دان كابانس" وهو بروفيسور في علم الانثروبولجي في مدرسة الفنون والعلوم بجامعة 
روجرز.