المعجزات لا تزال تحدث قصة الناجية الوحيدة.. في {ثماني دقائق إلى الأرض}

بانوراما 2022/02/22
...

 لم يجعل منها، السقوط من ارتفاع 5220 متراً وهي متشبثة بجزء من طائرة، عنواناً تتصدر به الأخبار، فقد كانت لاريسا سفيتسكايا شاهداً غير مرغوب فيه، على كارثة جوية أرادت حكومة الاتحاد السوفييتي (حينها) إخفاءها، واليوم يسلط فيلم وثائقي جديد، الضوء على الحادث الذي أدى إلى مقتل 37 شخصاً.
خافيير خي كويستا
 ترجمة: ليندا أدور
ففي 28 من شهر آب من العام 1981، وفي طريق عودة لاريسا وزوجها فلاديمير سفيتسكايا من شهر العسل على متن رحلة إيروفلوت 811،  اصطدمت طائرتهما، من طراز أنتونوف An-24 بقاذفة ستراتيجية من نوع Tu-16K توبوليف، فوق منطقة أمور أوبلاست في الاتحاد السوفييتي السابق، روسيا الحالية، كانت سفيتسكايا، (وعمرها عشرون عاماً آنذاك) هي الناجية الوحيدة، ليس فقط من السقوط الذي استمر لثماني دقائق لتصطدم بعده بالأشجار فحسب، بل نجت بالبقاء وحيدة في العراء لثلاثة أيام وهي تعاني من إصابات، لكن السلطات السوفيتية  أرادت التكتم على قصة سفيتسكايا المذهلة، والمحافظة على تقليدها القائم على السرية، فصنفت الحادث على أنه سري.
 
10 سنوات من السرية
لم تتمكن سفيتسكايا نفسها، من معرفة ما الذي حصل حتى انهيار دولة الاتحاد السوفيتي، أي بعدها بعشر سنوات، واليوم، وبعد مرور أكثر من 40 عاماً على تلك الحادثة، يبحث فيلم وثائقي بعنوان: "ثماني دقائق إلى الأرض"، بقصة النجاة والسرية، وهي القصة ذاتها التي يدور عنها محور فيلم روسي يحمل عنوان "واحد" الذي سيصدر في إسبانيا بالعام المقبل.
"لم يخبروني بشيء، اتصلوا بوالدتي وأبلغوها: "إنسوا ما حدث"، تقول سفيتسكايا مستذكرة الحادث، إذ تمكنت بمرور الوقت من التعافي من صدمة ذلك اليوم والاستمرار بحياتها، مضيفة "وقعت والدتي على بعض الوثائق، لأمضي عشر سنوات وأنا أجهل ما حدث؛ لا عدد الركاب الذي ماتوا، ولا أي جانب من جوانب القصة".
نشرت أولى المقالات المتعلقة بالكارثة سنة 1985، والتي ألقي اللوم فيها على قائدي القاذفة، لكن خلال تسعينيات القرن الماضي، تم رفع السرية عن التحقيقات لتتكشف حينها الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها طائرة القوات الجوية السوفيتية، عندما تجاوزت القاذفة توبوليف على المسار المدني لطائرة الركاب أنتونونف، لكن لم يتم إخطار قائد القاذفة بذلك، حتى إن المراقب الجوي في القاعدة العسكرية، المشرف على توبوليف، لم يستعن بالرادار لتتبع مسار القاذفة، بالرغم من أن مدى الرؤية كان جيداً ولمسافة تتجاوز عشرة كيلومترات، حدث اصطدام القاذفة بالطائرة المدنية بمنتصف مرحلة الصعود، ولقي على إثره 31 شخصاً كانوا على متن طائرة الركاب، إلى جانب ستة من أفراد طاقم القاذفة مصرعهم. 
 
75 روبلاً كتعويض
بالرغم من أن الحادث وقع قبل خمس سنوات من إطلاق الزعيم السوفيتي، ميخائيل غورباتشوف حملته الإصلاحية (الإصلاح والمكاشفة- بيروسترويكا غلاسنوست) وهي سياسة تدعو إلى تحسين الشفافية في الإدارة السوفيتية الضبابية - إلا أن السرية في ما يتعلق بالجيش الروسي كانت لا تزال قائمة، كذلك الإهتمام  والحرص بالتكتم على أخطائه، فقد ظلت التقارير عن الحادث طي الكتمان، وغورباتشوف نفسه لم يكن مثالاً جيداً عندما يتعلق الأمر بقول الحقيقة، فبسبب غياب التنسيق بين مراقبة حركة النقل الجوي العسكري والمدني، وقعت كارثة العام 1981، تقول سفيتسكايا "بأن حالات أخرى مماثلة وقعت في البلاد، لكن كلها خضعت للسرية"، وما حصلت عليه "الناجية الوحيدة" هو 75 روبلاً كتعويض من شركة أيروفلوت، المعروفة رسميا بالخطوط الجوية الروسية، وهو ما يعادل 330 دولاراً تقريباً بمعايير اليوم، كما حصلت على 150 روبلاً أخرى كتعويض عن وفاة زوجها، وكانت لاريسا قد تعرفت على زوجها فلاديمير عن طريق صديق مشترك أثناء دراستها بمعهد التربية في موسكو، ليتزوجا بعدها بفترة قصيرة، ثم سافرا لقضاء شهر العسل مع والدي فلاديمير، وخلال رحلة العودة إلى مدينة بلاغوفيشجينسك، قرب الحدود مع الصين، كانت الطائرة شبه فارغة، فاختارا الجلوس بالمقاعد الخلفية ليكونا أكثر راحة، حتى إنهما رفضا دعوة مضيفة الطائرة إلى الجلوس بمقاعد أخرى وقاما باستبدال مقعديهما مع ركاب آخرين كانوا يرغبون بالجلوس في المقاعد الأمامية، إذ شاهدت سفيتسكايا مقعدها الأصلي، فيما بعد، وهو 
يطير أثناء وقوع الكارثة.
 
المعجزات لا تزال تحدث
"استيقظت فوجدت نفسي في الممر"، تقول سفيتسكايا، مستذكرة الإصطدام الذي أدى إلى بتر جناحي الطائرة وبعض من جسمها أيضا، بدأ بعدها الجزء الذي كانت تجلس ضمنه بالدوران لكن من دون أن ينقلب، "فعلمت لحظتها أن زوجي قد مات، فقد كانت الدماء تغطي رأسه وبدلته". 
 ما أن سقطت الطائرة مباشرة على الأرض، بدأت تنفلق وتتحطم، وبسبب تخفيف الضغط، كان الأجواء شديدة البرودة، فقد كانت تحت الصفر بعشرات الدرجات. مدركة لما يحدث من حولها وهي ترى اللحظات الأخيرة للعديد من الركاب وهم يصرخون، تمسكت سفيتسكايا بمقعدها قدر المستطاع، بعد أن بدأ يفلت من أرض الطائرة، ليمتلىء رأسها حينها بصور لفيلم "المعجزات لا تزال تحدث" الذي كانت تشاهده مع زوجها، ويعود للعام 1974.
ففي هذا الفيلم أنقذت بطلة الفيلم نفسها تماما كما فعلت لاريسا، التي لحسن حظها، خففت أشجار البتولا من أثر صدمتها بالأرض. 
تعلق لاريسا: "هناك أشياء لا يمكن نسيانها، مهما حاولت، لكن حادثة الطائرة ستبقى معي دائما"، وهي تستعيد ذكرياتها عن لحظة إفاقتها وسط الغابة بعد إصدامها بالأرض، وقد أصيبت بكسور في ذراعيها وأضلاعها وخمسة مواضع في الحبل الشوكي وتكسرت أسنانها. 
كانت هذه السيدة محاطة بالأشجار، ولم تعرف إلى أين تذهب، ولم تستطع النوم بسبب الألم، فقررت أن تنتظر فريق الإنقاذ، وغطت نفسها ببطانيات وجدتها وسط الحطام، وغطاء بلاستيكي ليقيها البرد والبعوض. وبعد فترة ظهرت طائرة مروحية سمعتها تحلق فوق المنطقة، فلوّحت لها لكن لم يأت أحد لإنقاذها، فقد أخطأوا تمييزها عن بعض الجيولوجيون العاملين في المنطقة. وفي اليوم الثالث، وبعد أن فقدت الأمل بأن يعثر عليها أحد، بدأت لاريسا تسير رغم تردي وضعها، ليعثر عليها رجال الإنقاذ، وما تذكره بعدها هو مشهد استفاقتها في 
المستشفى. 
نجحت لاريسا ببدء حياتها مرة أخرى بعد صدمة الحادث من دون أي مساعدة نفسية، وهي اليوم عندما تنظر حولها ترى: "زوجا محبا ووظيفة وإبنا وحفيدة"، وفوق ذلك كله، لم يجعلها الحادث تخشى ركوب الطائرة، اذ تقول: "لا يضرب البرق المكان ذاته مرتين"، وهذه المقولة تنطبق علي".
 
* صحيفة إلبايس الإسبانية