نحتاج الفلسفة لنتعرّف على أنفسنا

ثقافة 2019/03/15
...

علي حسن الفواز
نقرأ ونكتب في الفلسفة، وعنها لكي نتعرّف، ونتعلم، ولكي نُثير الاسئلة أو لنمارس فاعلية النقد. هذه القضايا هي بعض ما يمكن أنْ تقترحه الفلسفة من مقاربات، ومن عتبات نلامس من خلالها ماهو غائر أو غير واضح في المعرفة، حيث تفترض الفلسفة وعيا متعاليا، وفهما فائقا للشرط الانساني كما تسميه حنا آرندت، أو تفكيكا  لما هو مهيمن من المراكز المتخيلة كما اقترحه دريدا..حاجتنا الى الفلسفة هي حاجتنا للفهم، أي لنفهم (من نحن) أو(ما نحن) وهي توصيفات لها علاقة بالحاجة الى ربط المعرفة بالواقع، أو بالتعاطي مع الضرورات التي تتطلبها التحولات الكبرى، والابنية الكبرى، وحتى المصالح التي تخص تجديد منظومات التعليم والحكم والمعرفة والمعيش والادارة..
هل مازلنا نخاف المجاهرة بحاجتنا الى الفلسفة؟ وهل يمكن لـ (الفيلسوف العربي) أن يكون حاضرا، وفاعلا في صناعة الوعي السياسي والثقافي العربي؟ وهل يمكن أنْ نقبل بوجوده في مؤسساتنا الجامعية؟ وهل نقترح شرعنة لقبولٍ فقهي لوظيفة الفلسفة؟
هذه الاسئلة تفترض سجالا حقيقيا، ووعيا جادا بوجودها، ليس لانها تعني حاجة لتنمية فاعلية النقد، وهي جوهر الموضوع الفلسفي، أو لتوسع مديات المعرفة فحسب، بقدر ما تعني حاجتنا لمواجهة تاريخٍ من العزل، ومن الاستغراب الذي جعل من الفلسفة وكأنها نوع من الكفر والمروق!!
اشكالية حضور الفلسفة في الفكر العربي هي ذاتها اشكالية التحرر من الخرافة، والانخراط في المستقبل بوصفه وجودا وفعلا، وبوصفه مسؤولية في تطوير الواقع ذاته، واعادة النظر في الأطر الحاكمة للمصالح والنظم والعلاقات، وعلى وفق ماتتطلبه من معطيات في سياق التحول الانساني، فنحن لانعيش خارج كوكب الارض، وأنّ وجودنا هو مايُبرر التعرّف على حاجاتنا الجديدة، وإذا كان هناك من يُفكّر بالخطورة الدائمة ل(العولمة) و(الحداثة) والغزو الثقافي) و(الثورات الرقمية والسبرانية) فعليه أنْ يكون رهين محبسه المنزلي، وأن ينام بعيدا عن شواردها كمايقول المتنبي..
الفلسفة ورهان الحداثة
الحداثة هي نقد التاريخ، والنزوع الى العقل، والى التمثيل الواعي لاسئلة الحاضر والمستقبل، وبقدر ماتعنيه هذه الحداثة من قيم، ومن توجهات، وحتى من مفاهيم لها علاقة ب(المطبخ الغربي) فإنها تعني أيضا حالة انسانية، وفضاء سانح للمشاركة والقبول والتواصل، وحتى لاعادة تأهيل مستوى تلك المفاهيم ولتكييفها على وفق حاجتنا كما قال حسن حنفي وهو يناقض أطروحات علاقة الفينومينولوجيا بالخطاب الديني، حيث السعي لتخليص الثنائيات القديمة من تقاطعاتها الى موضعتها في نسق تداولي يُعني بالفعل والحرية 
التجاوز.
الحداثة ترتبط بالفلسفة وبأسئلتها، وربما كانت ثورتها منذ القرن السابع عشر الى اليوم قد ارتبطت بالتحول الحادث في الفلسفة ذاتها، بدءا من ديكارت وكانط وليس انتهاء ب هابرماس، حيث تحوّل العقل التواصلي الهابرماسي الى فعل مواجهة مع تاريخ الفعل الاداتي الذي كرسته فلسفات وافكار وسياسات تشيء فيها الانسان والسلعة والسلطة والفكر.الحداثة من جانب آخر هي ممارسة فلسفية، لكنها تقوم على شرط المعرفة، وعلى ديناميات تؤمن بفعل العقل، وبما يتوافق مع شروطه التي يتعزز فيها الايمان بالله مثلما هو الايمان بما خلقه من موجودات تحتاج الى التطوّر دائما، لأن حاجاتها تقتضي التعرّف والتطور الدائميين. 
لقد خلّف اصطدامنا الحضاري مع الغرب جرحا نرجسيا كبيرا، واصاب ذاكرة الأمة برجّة معرفية وتاريخية، لكن هذا لايعني(موت الانسان) بتوصيف فوكو، بل بإحياء الفعل الذي يمكن أن يصنعه الانسان الجديد، البعيد عن عقد الازدواجية، وعن عقد الهيمنة ومركزاتها، وعن دغومائياتها، ولتجد النخب العربية الثقافية والسياسية نفسها أمام مسؤولية النقد
، والتخطيط للمستقبل، واستيعاب الحاضر بوصفه واقعا، مثلما هو النظر الى التراث بوصفه منجزا، وسيرة قابلة للقراءة والفائدة 
والاضافة..الفلسفة والحداثة تلازمات قارّة للفهم والتداول، وللتعرّف على السياق الذي يتشكلان فيه، ويتمثلان عبره، فضلا عن كونهما ذهابا باتجاه الانسانية، حيث مواجهة كل مقولات الهيمنة الغربية، وحيث مواجهة الخوف من أننا مجتمعات تابعة وتقليدية وزراعية وعاطلة وهي جزء من توصيفات(فوبيا الكولنيالية) تلك التي اخضعتنا الى سسيولوجيا التابع الباحث عن لحظة صاخبة للكلام والاعتراف 
والتمثيل.