سوق هرج وحيّة ودرج!!

العراق 2019/03/15
...

حسين العادلي
• هل يمكن تشبيه الدولة التي تعيش الفوضى واللا نظام بـ (سوق هرج)؟ وهل يمكن تشبيه تسنم المسؤوليات في الدولة بـلعبة (الحيّة والدرج)، حيث اللا سياق؟ سؤالان برسم الواقع.
• لمن لا يعرف، فإنَّ (سوق هرج)، هو أحد شوارع بغداد المعروفة والمتفرعة عن (شارع الرشيد) والذي شُق بزمن حاكم بغداد العثماني خليل باشا سنة 1910م، وغنّت فيه أم كلثوم سنة 1935م. والهرج لفظة تركية فارسية تعني الفوضى وعدم النظام. أمّا (الحيّة والدرج) فهي لعبة معروفة تُلعب بالنرد على لوحة مربعات وسلالم،.. وهي لعبة نشأت بالهند وظهرت في إنكلترا ومنها إلى أميركا سنة 1943م.
•(سوق هرج)، سوق بيع وشراء،.. كل شيء معروض فيه للبيع من النفيس والأثري والتاريخي إلى الرخيص والمبتذل،.. سوق يعج بالناس من كل الطبقات،.. تدخله بحمى الشراء أو البيع أو الإطلاع أو الفضول،.. ترى الناس فيه حلقات متحلّقة حول بضاعة، حوار وجدال وصراع ومراوغة.. الكل يتكلم والكل يسمع والجميع يعرض ما لديه أو يطلب ما في يد الآخرين... والغلبة فيه للأشطر والأكثر استعراضاً، وأحياناً للأكثر غشاً وقدرة على الخداع... ليس فيه متحكم أو منظّم أو سياق والفوضى سيدة الموقف،.. والهدف هو الغنيمة، غنيمة بيع أو غنيمة شراء. و(الحيّة والدرج) لعبة الصدفة التي لا سياق فيها أيضاً،.. لعبة لا تعتمد الكفاءة والذكاء والسياق بالفوز أو الخسارة، هي صدفة النرد التي تضعك أمام السلّم ليرفعك مربعاً أو يخفضك مربعات،.. رسالة هذه اللعبة، أنَّ سلُّم صعودك أو نزولك في زمن النرد رهن الصدفة، زمن يرفعك أو يخفضك دونما اعتبار لكفاءتك أو التزاماتك أو معاييرك. وأخال أنَّ الدولة التي تعيش الفوضى واللا نظام هي في حقيقتها (سوق هرج)،.. وأخال أنَّ المسؤول الذي يتسنم المسؤولية في زمن صدفة النرد هو نتاج لعبة (الحيّة والدرج).
• الدولة يا سادة: امبراطورية قوانين ومملكة مؤسسات وهرم سياقات، عمادها النظام وجامعها الالتزام، تنتظم بالمسؤولية وتقوم بالإلزام،.. ومتى ما افترستها الفوضى وابتعلها اللا نظام وساد فيها التحلل فستكون كـ (سوق هرج) لا ضابط لها ولا ناظم فيها،.. عندها يتسيد المشهد حُمّى الهرج والمرج وأبطال البيع والشراء!!.. والدولة بعد مواقع مسؤولية، هي مراكز خدمة وفق سُلّم المسؤوليات لإدارة فعل الدولة ووظائفها،.. وكل منصب فيها خاضع لمسطرة السياق، يتسنمها المؤهل واللائق والكفوء،.. فالدولة سلطات، والسلطات مناصب، والمناصب مسؤوليات، والمسؤوليات مواصفات، والمواصفات مسطرة، والمسطرة قياس لا تقبل الغش والزُلفى والاستعراض،.. وكل شيء خارج مسطرة القياس هو ضربة نرد بلعبة صدفة على رقعة (الحيّة والدرج).
• تكون الدولة مسمّى دولة عندما يسودها الهرج ويعمّها المرج،.. الدولة (سياقات) نظام عادل، ومواقعها (مسطرة) مسؤوليات لإدارة سياقاتها، والهدف هو حل الخلافات وتحقيق المصالح للأمّة (النحن) وفق سياقات الدولة (المؤسسة الناظمة)،.. وليس خارج سياقات الدولة الضابطة والناظمة للنحن إلاّ الفوضى وعلاقات الغاب التي يتسيد بها الأقوى والأكثر غشاً ومراوغة وادعاءً وفسادا.
• الدولة ليست (سوق هرج)، والمسؤوليات ليست نتاج لعبة (الحيّة والدرج)،.. تبقى الدولة بالنظام، وتؤدى الوظائف بالسياق، وينتظم المجتمع بالإلزام، ويزدهر الإلزام بالقانون، والقانون قوة جزاء، مثوبة وعقوبة.