الدراما العراقيَّة والواقع الملتهب

استراحة 2022/03/06
...

  رضا المحمداوي 
تمَّ التحفظ على موضوع (انتفاضة تشرين) التي اندلعتْ شرارتها في 1/ 10/ 2019 ثم اتساع حركاتها الاحتجاجية في محافظات الوسط والجنوب، مع ارتفاع أعداد الشهداء والجرحى والمصابين جرّاء العنف المفرط في التصدي لها في تلك المرحلة.. تمَّ التحفظ درامياً على هذه (الموضوعة) السياسية وطابعها الاجتماعي الغاضب، ونأت العديد من القنوات الفضائية بنفسها عن التصدي درامياً لتلك الإنتفاضة، أو تبنّي منطلقاتها ومبادئها باستثناء حلقة واحدة من سلسلة (كمامات وطن) للممثل: اياد راضي ومخرجها: سامر حكمت والتي قُدَّمَتْ قبل عام، وحظيتْ بتعاطف جماهيري واسع ومن ثم احتفاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالكادر الفني واستقباله لهم والإشادة بعملهم الفني.
لكن في الموسم الدرامي في العام الماضي أصبحتْ قضية التظاهرات موضوعة درامية عامة، حيث شاهدنا أكثر من عمل درامي يتبنى تلك الظاهرة أو يتعاطف معها أو يلامس موضوعها، وأبرزها مسلسل (العدلين) لمخرجهِ حسن حسني وتأليف (ورشة الكتابة الدرامية)، وكذلك طَرَحَ موضوعها مسلسل (المنطقة الحمراء) لمحرر السيناريو مهند حيال وتمثيل باسم قهار، وفي نهاية العام الماضي عادتْ موضوعة التظاهرات الى شاشة التلفزيون من جديد من خلال مسلسل (ضربة زاوية) لمؤلفه محمد خماس ومخرجه علاء الانصاري وتمثيل أحمد نسيم وأساور عزة واياد الطائي وذو الفقار خضر. 
لقد أصبحتْ مثل هذه الأعمال الدرامية تحملُ بصمة وطنية واضحة  بالدرجة الأساس، حيث تمثّلُ واحدة من الواجهات الثقافية التي تم طرحها من خلال تجسيدها فنياً على الشاشة، خاصة أنَّ الموقف من هذه الانتفاضة أصبح يمثل موقفاً وطنياً لا لبسَ فيه ولا غموض، فكل شيء أصبحَ واضحاً والاصطفاف الجماهيري بصبغته الوطنية باتَ الموقف منه واضحاً ايضاً لدى الجميع.
ومن هنا أصبحتْ وظيفة العمل الدرامي المتصدي للواقع العراقي الملتهب والمضطرب وظيفة حساسة ومهمة جداً، حيث باتت تنطوي على الوعي والمعرفة والموقف الوطني والإنساني، وذلك من أجل السعي لتقديم خطاب عراقي وطني مسؤول من دون نفاق أو انتهازية مكشوفة أو تلاعب بمشاعر الجماهير.
لقد أصبحَتْ للعمل الدرامي العراقي الجديد بدمائهِ الشابة في التأليف والتمثيل والإخراج القدرة على التأثير والوصول السلس إلى المتلقي، ودفعه من أجل البحث عن الحقيقة ومن ثم تحريضه على إعلان موقفه الوطني والإنساني الملتزم، بعيداً عن النظرة القاصرة واللحظة الإنفعالية الآنية والمعالجة الخاطئة، التي قادتْ إلى إزهاق أرواح الشهداء واستباحة دماء الجرحى والمصابين في الساحات والشوارع والاستهانة بالتأريخ الوطني والقيم الإخلاقية، فثمّة جيل جديد كَسَرَ طوق الرتابة والتحفظ والقيم والاعتبارت التقليدية وضخَّ دماءً جديدةً في شرايين الدراما العراقية التي أُصيبَتْ منذ سنوات بالتكلّس والانسداد.