عبدالله فرج
تصوير: رغيب اموري
ببساطة، الشتاء هو بَطَلهم، لأن قوت أسرهم يتعامل بشكل طردي مع قسوة هذا الموسم. هكذا ينشط عمل بائعي الأطعمة «اللبلبي والشلغم»، في فصل الشتاء، لتركن عرباتهم من بعد ذلك ما لا يقل عن سبعة أشهر بانتظار الغيث، لتبدأ الانتعاش من جديد، «الصباح» حاولت التعرف إلى حياة هؤلاء الباعة الموسميين، ولماذا يصرون على التشبث بتلك الأعمال، وكيف يتعاطون مع زبائنهم.
الجولة الأولى كانت من منطقة العامرية شرقي بغداد. توقفت عند بائع «اللبلبي» وعرفته عن نفسي، لكنني صدمت بأن الشاب لا يستجيب لي، برغم أن الابتسامة لم تفارق محيّاه. فجأة اقتحم الحديث رجل يدعى مشتاق القيسي (عرفته لاحقا)، وأبلغني أن هذا الشاب يعاني من صعوبة في النطق، ما حمسني أكثر لخوض الحديث معه. القيسي، هنا، كان له دور في تلك المحاورة: كان وسيطا لنقل السؤال، ومن ثم إجابة رسول ادريس (22 عاما)، صاحب «عربة اللبلبي».
تحويل
إدريس يعمل في هذه المهنة منذ أربع سنوات. قال لـ(الصباح)، إن «إقبال الناس على تناول هذه الأطعمة يبدأ مع بداية شهر أيلول، ويستمرون إلى شهر آذار، والذي يقل فيه إقبال الناس عليها، ولذا فإني أضطر الى تغيير عملي». ففي فصل الصيف يقوم إدريس بتحويل عربته الى بيع العصائر الطبيعية «يلاقي هذا إقبالاً جيداً مع ارتفاع درجات
الحرارة». يبقى إدريس يفضل الشتاء، لأنه يحقق أرباحا ممتازة فيه، فهو مستأجر لمنزل بـ 500 ألف دينار شهرياً، ويعيل أسرة من خمسة أفراد.في ذلك المكان، يتواجد إدريس منذ الساعة الرابعة عصراً وحتى بعد منتصف الليل، «لكنني أقوم بطهي الحمص وتحضير اللبلبي قبل ذلك بساعتين».وتصنع العربة التي تباع فيها الأطعمة الشتوية من مادة الألمنيوم والخشب، وتقدر تكلفتها اذا كانت كبيرة الحجم بـ مليون دينار.
مزاج
بائع (الشلغم) يحيى علي (25 عاما) يفضل بالعربة أكثر من أن يعمل في مكان آخر، كونه هو المسؤول على العمل، وبهذا فهو لا يخضع لتوجيهات وتوبيخات أرباب العمل مثلما يحصل معه في كل صيف.
علي، شاب يحمل شهادة بكلوريوس، يذكر لـ(الصباح) أنه يعمل «بالصيف في سوبر ماركت من الصباح الباكر إلى الـ 12 بعد منتصف الليل، مقابل 20 ألف دينار، بينما أجني من عملي هنا ضعف ذلك المبلغ بنصف
الوقت».وكغيره من الشباب الخريجين، لم يوفر الواقع الاقتصادي ليحيى علي، فرصة عمل تناسب شهادته.ويقول إن «ارباب العمل مزاجيون، ويغيرون العمال بين حين وحين. وفي هذه الأعمال لا يطبق قانون الضمان الاجتماعي. وفي أي لحظة قد تطرد من عملك لأي سبب
ان».
حيرة
ويبدو أن هناك إصرارا من قبل أغلب أصحاب العمل في القطاع الخاص، على عدم شمول عمالهم بقانوني العمل والتقاعد والضمان الاجتماعي تحت أعذار واهية وغير مبررة. ويتطلب ذلك مزيداً من الجهود للجان التفتيشية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لوضع حد للمخالفات غير القانونية. وحتى الآن لم يفكر يحيى إن كان سيعود لعمله في الـ» سوبر ماركت» عند حلول الصيف أم لا: «لدي رغبة في ان يكون لدي مشروعي الخاص».
القطاع غير المنظم
مؤمل علي (19 عاما) بائع (الداطلي)، والذي ترك دراسته مبكراً، والتحق بسوق العمل، لمساعدة أسرته على تدبير قوت يومها، قال لـ(الصباح): إن عمله يتغير مع كل موسم: «في الصيف أعمل حمالا في الشورجة. لكني لا أفارق عربتي في موسم الشتاء». وأردف كلامه بأنه قبل حلول الشتاء الذي نعيش أيامه الأخيرة، كان قد اشتغل في إحدى القاعات الرياضية بمنطقة المنصور. «صاحب القاعة كان خلوقا جداً وطيبا في التعامل»، ولم يدر إن كان سيجد فرصة أخرى للعمل في تلك القاعة أم لا، بعد انقضاء
الشتاء.
الأمين العام لاتحاد نقابات عمال العراق، عدنان الصفار، أدرج العاملين في هذه المهن في خانة «القطاع غير المنظم». وقال: «ممكن أن تطالب نقابة الخدمات العامة بحقوقهم».ويضم القطاع غير المنظم، بحسب الصفار، «النسبة الأكبر من عدد العاملين»، مقدراً عددهم بـ «5 ملايين عامل في العراق». وقال الأمين العام لـ(الصباح): «لا توجد ضمانات تحمي العاملين في ذلك القطاع، وإنهم غير مشمولين في معظم قوانين الدولة، لأن عملهم وقتي، ومعظمهم غير مستمرين في مهنهم. إن عدم شمولهم في قانون الضمان الاجتماعي مرهون بوجود رب عمل ثابت، يسدد للدولة حصة العامل، وفقا للقانون». ونوّه الصفار بأنه تم وضع فصل خاص للعاملين في القطاع غير المنظم ضمن مشروع قانون الضمان الاجتماعي الجديد، مؤشرا وجود «خلل في مشروع القانون وضعته وزارة العمل، وهو أن يسدد العاملون الاشتراكات لغرض التقاعد فقط، وليس كضمان اجتماعي يشمل الصحة والسلامة المهنية وباقي التفاصيل الأخرى».