النازيون خططوا لهزيمة بريطانيا بنقود مزيَّفة

بانوراما 2022/03/11
...

  بيتر سوكيو 
  ترجمة: أنيس الصفار                                                
تقدر وزارة الخزانة الأميركية أن هناك في التداول حالياً ما يقدر بنحو 70 مليون دولار من اوراق العملة المزيفة، وهو رقم آيل للتصاعد بسرعة. فخلال العام 2016 استعيد مبلغ 30 مليون دولار من العملة المزيفة بعملية بيروية أميركية مشتركة، وكانت تلك اكبر ضربة سددت لهذا النشاط على الإطلاق. في زمننا يستخدم المجرمون النقود المزيفة لتمويل نشاطات إجرامية أخرى، اما خلال زمن الحرب العالمية الثانية فقد كانت هناك مساعٍ من جانب ألمانيا النازية لتخريب الاقتصادات الغربية باستخدام الأوراق النقدية المزيفة.
بدأت “عملية بيرنهارد” في العام 1939 عندما نجح جهاز الأمن الألماني “سايخرهايتشداينست” (SD)، وهو الفرع المخابراتي التابع لقوات الأمن الخاصة المعروفة بوحدات “أس أس”، بانتاج نوع من الورق القطني مطابق تماماً لما يستخدمه البريطانيون في طباعة عملتهم. اضافة الى ذلك، راحت وحدات أس أس تمشط معسكرات الاحتجاز لالتقاط اي محتجز يبدي موهبة ومهارة في انتاج قوالب النقش (الكليشة). فرشّحت 140 فرداً ثم نقلوا الى قاعدة “براندنبرغ” ضمن معسكر الاحتجاز “ساخنهاوزن”، وهناك باشروا عملية تزييف العملة البريطانية.
بتوجيه من “ بيرنهارد كروغر”، الرائد في جهاز “أس أس”، بدأ فريق المزيفين والمزورين بإنتاج اوراق نقدية يمكن ان تنطلي، لا على صاحب دكان بسيط او سائق سيارة اجرة فقط بل على أعلى المؤسسات المالية دون ان تشعر. كان الهدف الطموح من العملية هو تخريب الاقتصاد البريطاني بالكامل.
بحلول منتصف 1942 تمكن الفريق بنجاح من اصدار اكثر من ثمانية ملايين ورقة نقدية من الفئات 5 و10 و20 جنيهاً استرلينياً، وحتى 50 جنيهاً، بقيمة اجمالية قاربت 132 مليون جنيهاً استرلينياً، وهو مبلغ يتجاوز حتى احتياطات بنك انكلترا. كما أفادت بعض التقارير بأن الرقم ارتقى الى نحو 15 بالمئة من اجمالي العملة الورقية التي تم تداولها خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وقد ركز الألمان جهودهم على اكثر الفئات الورقية تداولاً، وهي فئة 5 جنيهات.
بيد أن عيباً اعترى الخطة يتعلق بكيفية بث تلك النقود ونشرها. في البداية كانت الفكرة تتلخص بإلقائها من الجو، لأن وجود أموال على الأرض من شأنه خلق الفوضى، لكن عندما آن الأوان وبلغ الألمان مرحلة انتاج كميات كافية من الأموال لتنفيذ مخططهم كانوا قد فقدوا قدراتهم الجوية التي تمكنهم من إسقاطها، ولهذا السبب أعيد استخدام الأموال في عمليات خاصة اخرى بدلا من ذلك. كثير من تلك العملات الورقية بقيت في التداول على نطاق العالم حتى بعد سنوات من ذلك، واليوم يسعى الهواة وراء جمع هذه النقود المزيفة (التي انتجت في العملية الاصلية).
يصف أحد مسؤولي المصارف تلك الأوراق النقدية من حيث النوعية بأنها الأخطر عبر التاريخ، لكنها رغم هذا لم تتسبب إلا بضرر بسيط في جانب التأثير على نتائج الحرب. بل أن “بنك انكلترا” في الواقع اوقف في العام 1943 إصدار جميع الفئات الورقية فوق 10 جنيهات استرلينية.
لم يفقد الألمان الأمل رغم هذا وتحوّل اهتمام كروغر صوب تزييف الدولارات الأميركية، وعندما انتهت الحرب كان ذلك المجهود قد أخذ يتجسد ويتخذ شكلاً. من الواضح أن بعض النازيين حاولوا استخدام تلك النقود للهرب، ومن المحتمل ايضاً ان بعض المعتقلين اليهود قد استغلوا براعتهم في إنتاج الجنيهات والدولارات المزيفة لتمويل حلمهم في الحصول على دولة مستقلة في الشرق الأوسط. واقع أن الجهد النازي قد استغل بهذه الطريقة يعدّ منعطفاً غريباً آخر في الحكاية.
أما كروغر فقد اختفى بعد انتهاء الحرب وبقي متوارياً عن الانظار حتى العام 1946 عندما سلّم نفسه الى البريطانيين، إلا انه لم يواجه أية تهم نظراً لأن تزوير عملة دولة معادية لا يحسب ضمن جرائم الحرب. وبقي كروغر محتجزاً لفترة ثم أعيد تسليمه الى الفرنسيين الذي احتاجوا إليه لتزوير جوازات سفر يستخدمها عملاء استخباراتهم. لكن كروغر رفض التعاون في هذا المجال، وبعد أن أعفي عنه خلال عملية “اجتثاث النازية”، حيث شهد له كثيرا من المعتقلين بأنه كان له دور في مساعدتهم وانقاذ حياتهم، انصرف للعمل في إحدى شركات صناعة الورق.
 
عن مجلة “ناشينال إنترست”